الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حديث أم معبد

أخبرنا الشيخان أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف المزي بقراءة والدي عليه ، وأبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بقراءتي عليه ، قالا : أخبرنا ابن طبرزذ ، أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا ابن غيلان ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن يونس القرشي ، حدثنا عبد العزيز بن يحيى مولى العباس بن عبد المطلب ، حدثنا محمد بن سليمان بن سليط الأنصاري ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده أبي سليط وكان بدريا قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ومعه أبو بكر الصديق ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ، وابن أريقط يدلهم على الطريق ، مروا بأم معبد الخزاعية ، وهي لا تعرفهم ، فقال لها : يا أم معبد ، هل عندك من لبن ؟ قالت : لا والله وإن الغنم لعازبة . قال : فما هذه الشاة التي أرى - لشاة رآها في كفاء البيت - قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم . قال : أتأذنين في حلابها ؟ قالت : لا والله ما ضربها من فحل قط ، فشأنك بها ، فدعا بها ، فمسح ظهرها وضرعها ، ثم دعا بإناء يربض الرهط ، فحلب فيه فملأه ، فسقى أصحابه عللا بعد [ ص: 305 ] نهل ، ثم حلب فيه آخر ، فغادره عندها ، وارتحل ، فلما جاء زوجها عند المساء ، قال : يا أم معبد ! ما هذا اللبن ولا حلوبة في البيت والغنم عازبة ؟ قالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل ظاهر الوضاءة ، متبلج الوجه ، في أشفاره وطف ، وفي عينيه دعج ، وفي صوته صحل ، غصن بين الغصنين ، لا تشنؤه من طول ولا تقتحمه من قصر ، لم تعبه ثجلة ، ولم تزره صعلة ، كأن عنقه إبريق فضة ، إذا صمت فعليه البهاء ، وإذا نطق فعليه وقار ، له كلام كخرزات النظم ، أزين أصحابه منظرا ، وأحسنهم وجها ، أصحابه يحفون به ، إذا أمر ابتدروا أمره ، وإذا نهى اتفقوا عند نهايته . قال : هذه والله صفة صاحب قريش ، ولو رأيته لاتبعته ، ولأجتهدن أن أفعل .

قال : فلم يعلموا بمكة أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، حتى سمعوا هاتفا على رأس أبي قبيس ، وهو يقول :


جزى الله خيرا والجزاء بكفه رفيقين حلا خيمتي أم معبد     هما رحلا بالحق وانتزلا به
فقد فاز من أمسى رفيق محمد     فما حملت من ناقة فوق رحلها
أبر وأوفى ذمة من محمد     وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله
وأعطى برأس السابح المتجرد     ليهن بني كعب مكان فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد

[ ص: 306 ] وبه قال أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان ، حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثت عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ؛ أنها قالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر رضي الله عنه ، فخرجت إليهم ، فقالوا : أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟ قالت : قلت : والله لا أدري أين أبي . قالت : فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشا خبيثا - فلطم خدي لطمة خرم منها قرطي . قالت : ثم انصرفوا ، فمضى ثلاث ليال ما ندري أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة ، يغني بأبيات ، غنى بها العرب ، وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه ، حتى خرج بأعلى مكة :


جزى الله رب الناس خير جزائه     رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالهدى واغتدوا به     فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم     ومقعدها للمؤمنين بمرصد

قالت : فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
. . . الحديث .

وقد روينا حديث أسماء هذا متصلا ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء . أخبرناه عبد الله بن أحمد بن فارس قراءة عليه وأنا أسمع بالقاهرة ، وأبو الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني بقراءتي عليه بسفح قاسيون ، قالا : أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي ، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري ، أخبرنا أبو طالب محمد بن علي بن الفتح ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد ، حدثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك الشيباني ، أخبرنا يحيى بن إسماعيل ، حدثنا جعفر بن علي ، حدثنا سيف ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء ابنة أبي بكر رضي الله عنهما ، قالت : ارتحل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، فلبثنا أياما ثلاثة أو أربعة ، أو خمس ليال ، لا ندري أين توجه ، ولا يأتينا [ ص: 307 ] عنه خبر ، حتى أقبل رجل من الجن . . . الحديث بنحو ما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية