الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ومن ارتد عن الإسلام : لم يزل ملكه بل يكون موقوفا ، وتصرفاته موقوفة . فإن أسلم : ثبت ملكه وتصرفاته ، وإلا بطلت ) ، الظاهر : أن هذا بناء منه على ما قدمه في " باب ميراث أهل الملل " من أن ميراث المرتد فيء . واعلم أن مال المرتد إذا مات مرتدا ، لا يخلو : إما أن نقول : يرثه ورثته من المسلمين ، أو ورثته من دينه الذي اختاره ، أو يكون فيئا على ما تقدم في " باب ميراث أهل الملل " . فإن قلنا : يرثه ورثته من المسلمين ، أو من الدين الذي اختاره ، فإن تصرفه في ملكه في حال ردته كالمسلم ، ويقر بيده . وهذا المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وقال أبو الخطاب في الانتصار : لا قطع بسرقة مال مرتد ، لعدم عصمته . وإن قلنا : يكون فيئا ، ففي وقت مصيره فيئا ثلاث روايات إحداهن : يكون فيئا حين موته مرتدا . وهذا الصحيح من المذهب . قاله في الفروع ، وقدمه ، وجزم به في الوجيز ، وغيره ، وقدمه في المحرر ، وغيره .

وهو ظاهر ما قدمه المصنف في " باب ميراث أهل الملل " والرواية الثانية : يصير فيئا بمجرد ردته . [ ص: 340 ] اختارها أبو بكر ، وأبو إسحاق ، وابن أبي موسى ، وصاحب التبصرة ، والطريق الأقرب . وهو قول المصنف وقال أبو بكر : يزول ملكه بردته . ولا يصح تصرفه . فإن أسلم رد إليه تمليكا مستأنفا والرواية الثالثة : يتبين بموته مرتدا كونه فيئا من حين الردة . فعلى الصحيح من المذهب : يمنع من التصرف فيه . قاله القاضي وأصحابه ، منهم أبو الخطاب : وأبو الحسين ، وأبو الفرج . قال في الوسيلة : نص عليه ، وقدمه في الفروع . ونقل ابن هانئ : يمنع منه . فإذا قتل مرتدا صار ماله في بيت المال ، واختار المصنف ، والشارح ، وغيرهما على هذه الرواية أن تصرفه يوقف ويترك عند ثقة ، كالرواية الثالثة . قلت : وهو ظاهر كلام المصنف هنا . قال ابن منجا وغيره : المذهب لا يزول ملكه بردته . ويكون ملكه موقوفا . وكذلك تصرفاته على المذهب . انتهى .

قال في الفروع : وجعل في الترغيب كلام القاضي وأصحابه وكلام المصنف واحدا . كذا ذكره القاضي في الخلاف وتبعه ابن البنا وغيره على ذلك . وذكر أن الإمام أحمد رحمه الله نص عليه . لكن لم يقولوا : إنه يترك عند ثقة ، بل قالوا : يمنع منه . وهذا معنى كلام ابن الجوزي . [ ص: 341 ] فإنه ذكر : أنه يوقف تصرفه . فإن أسلم بعد ذلك ، وإلا بطل . وأن الحاكم يحفظ بقية ماله . قالوا : فإن مات : بطلت تصرفاته تغليظا عليه بقطع ثوابه ، بخلاف المريض . وقيل : إن لم يبلغ تصرفه الثلث : صح . وقال في المحرر ، ومن تبعه على الرواية الأولى التي قدمها ، وهي المذهب : يقر بيده ، وتنفذ فيه معاوضاته ، وتوقف تبرعاته ، وترد بموته مرتدا . لأن حكم الردة حكم المرض المخوف . وإنما لم ينفذ من ثلثه ; لأن ماله يصير فيئا بموته مرتدا . ولو كان قد باع شقصا أخذ بالشفعة . وقيل : يصح تبرعه المنجز ، وبيع الشقص المشفوع ، واختاره في الرعايتين . زاد في الكبرى : فإن أسلم اعتبر من الثلث . وعلى الثانية : يجعل في بيت المال . ولا يصح تصرفه فيه . لكن إن أسلم : رد إليه ملكا جديدا . وعليها أيضا : لا نفقة لأحد في الردة ، ولا يقضى دين تجدد فيها . فإن أسلم ملكه إذن ، وإلا بقي فيئا . وعلى الثالثة : يحفظه الحاكم ، وتوقف تصرفاته كلها .

ويحتمله كلام المصنف أيضا . فإن أسلم : أمضيت ، وإلا تبينا فسادها . وعلى الأولى والثالثة : ينفق منه على من تلزمه نفقته ، وتقضى ديونه . فإن أسلم أخذه أو بقيته . ونفذ تصرفه ، وإلا بطل . قال في الرعاية الكبرى : وعلى الروايات الثلاث : يقضي منه ما لزمه قبل ردته ، من دين ونحوه . وينفق عليه منه مدة الردة . وقاله غيره . [ ص: 342 ] فائدة : إنما يبطل تصرفه لنفسه . فلو تصرف لغيره بالوكالة : صح . ذكره القاضي ، وابن عقيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية