الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن لم يجد إلا طعاما لم يبذله مالكه ، فإن كان صاحبه مضطرا إليه : فهو أحق به ) بلا نزاع . لكن لو خاف في المستقبل : فهل هو أحق به ، أم لا ؟ فيه وجهان . وأطلقهما في الفروع . قلت : الأولى النظر إلى ما هو أصلح . وقال في الرعاية الكبرى : يحتمل وجهين ، أظهرهما : إمساكه .

فائدة : حيث قلنا : إن مالكه أحق ، فهل له إيثاره ؟ قال في الفروع : ظاهر كلامهم أنه لا يجوز . وذكر صاحب الهدى في غزوة الطائف : أنه يجوز ، وأنه غاية الجود [ ص: 374 ] قوله ( وإلا لزمه : بذله بقيمته ) نص عليه . ولو كان المضطر معسرا . وفيه احتمال لابن عقيل .

تنبيهان إحداهما : ظاهر قوله " وإلا لزمه بذله بقيمته " أنه لو طلب زيادة لا تجحف . ليس له ذلك . وهو أحد الوجهين . وهو الصحيح منهما ، اختاره المصنف ، وجزم به الشارح في موضعين . والوجه الآخر : له ذلك ، اختاره القاضي . وأطلقهما في الفروع . قال الزركشي : وعلى كلا القولين : لا يلزمه أكثر من ثمن مثله . وقال في عيون المسائل ، والانتصار : قرضا بعوضه . وقيل : مجانا ، واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ، كالمنفعة في الأشهر . الثاني : قوله ( فإن أبى : فللمضطر أخذه قهرا ، ويعطيه قيمته ) . كذا قال جماعة . وقال جماعة : ويعطيه ثمنه . وقال في المغني : ويعطيه عوضه . قال الزركشي : وهو أجود . وقال في الفروع : فإن أبى أخذه بالأسهل ، ثم قهرا . وهو مراد المصنف ، وغيره . قوله ( فإن منعه : فله قتاله ) . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به كثير منهم .

[ ص: 375 ] وقال في الترغيب : في قتاله وجهان . ونقل عبد الله : أكره مقاتلته . وقال في الإرشاد : فإن لم يقدر على أخذه منه إلا بمقاتلته : لم يقاتله . فإن الله يرزقه . فوائد الأولى : لو بادر صاحب الطعام فباعه ، أو رهنه . فقال أبو الخطاب في الانتصار في الرهن : يصح . ويستحق أخذه من المرتهن ، والبائع مثله . قال في القاعدة الثالثة والخمسين : ولم يفرق بين ما قبل الطلب وبعده . قال : والأظهر أنه لا يصح البيع بعد الطلب ، لوجوب الدفع . بل لو قيل : لا يصح بيعه مطلقا ، مع علمه باضطراره : لم يبعد وأولى ; لأن هذا يجب بذله ابتداء لإحياء النفس . انتهى . الثانية : لو بذله بأكثر ما يلزمه : أخذه وأعطاه قيمته يعني من غير مقاتلة على الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب ، وجزم به في المحرر ، وغيره ، وقدمه في الفروع ، وغيره . وقيل : يقاتله . الثالثة : لو بذله بثمن مثله : لزمه قبوله على الصحيح من المذهب . وقال ابن عقيل : لا يلزم معسرا على احتمال . الرابعة : لو امتنع المالك من البيع إلا بعقد ربا ، فظاهر كلام الخرقي وجماعة : أنه يجوز أخذه منه قهرا ، ونص عليه بعض الأصحاب . قاله الزركشي . وقال : نعم إن لم يقدر على قهره دخل في العقد ، وعزم على أن لا يتم عقد الربا . فإن كان البيع نساء : عزم على أن العوض الثابت في الذمة قرضا . [ ص: 376 ] وقال بعض المتأخرين : لو قيل : إن له أن يظهر صورة الربا ولا يقاتله ويكون كالمكره ، فيعطيه من عقد الربا صورته لا حقيقته لكان أقوى . قاله الزركشي .

التالي السابق


الخدمات العلمية