الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن رمى ثلاثة بمنجنيق . فقتل الحجر إنسانا : فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته ) . [ ص: 40 ] ولا قود لعدم إمكان القصد غالبا . وهذا المذهب . وعليه الأصحاب . وقال في الرعاية ، وغيره ، وقيل : تجب الدية في بيت المال . فإن تعذر فعلى العاقلة . وفي الفصول احتمال أنه كرميه عن قوس ومقلاع وحجر عن يد . ونقل المروذي يفديه الإمام . فإن لم يكن فعليهم ، واختار في الرعاية : أن ذلك عمدا ، إذا كان الغالب الإصابة . قلت : إن قصدوا رميه : كان عمدا ، وإلا فلا .

قوله ( وإن قتل أحدهم : ففيه ثلاثة أوجه . أحدها : يلغى فعل نفسه . وعلى عاقلة صاحبيه ثلثا الدية ) . وهو المذهب ، جزم به القاضي في المجرد ، والمصنف في العمدة ، والأدمي البغدادي في منتخبه . وقال في المغني : هذا أحسن ، وأصح في النظر ، وقدمه في الخلاصة ، وإدراك الغاية .

والثاني : عليهما كمال الدية . قال أبو الخطاب وتبعه صاحب الخلاصة هذا قياس المذهب ، وصححه في التصحيح ، وجزم به في الوجيز ، وقدمه في المحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . وأطلقهما في الفروع ، والمذهب ، والمستوعب .

والثالث : على عاقلته ثلث الدية لورثته ، وثلثاها على عاقلة الآخرين . ويحتمله كلام الخرقي . وهذا الوجه مبني على إحدى الروايتين الآتيتين في أن جنايته على نفسه تجب على عاقلته . وأطلقهن في الشرح . [ ص: 41 ] وقال ابن عقيل في التذكرة : تكون عليه ، ويدفعها إلى ورثته . تنبيه : قوله " أحدهما يلغى فعل نفسه . وعلى عاقلة صاحبيه ثلثا الدية " . يعني : يلغى فعل نفسه وما يترتب عليه . وقال ابن منجا في شرحه : وأما كون أحدهم إذا قتله الحجر يلغى فعل نفسه في وجه : فقياس على المتصادمين . وقد تقدم . فعلى هذا : يجب كمال الدية على عاقلة صاحبيه ، صرح بذلك المصنف في المغني . ولم يرتب المصنف هنا على إلغاء فعل نفسه كمال الدية ، بل رتب عليه وجوب ثلثي الدية على عاقلة صاحبيه . قال : ولا أعلم له وجها . بل وجه إيجاب ثلثي الدية على عاقلة صاحبيه : أن يجعل ما قابل فعل المقتول ساقطا لا يضمنه أحد ; لأنه شارك في إتلاف نفسه . فلم يضمن ما قابل فعله كما لو شارك في قتل بهيمته أو عبده .

وهذا صرح به المصنف في المغني . ونسبه إلى القاضي . انتهى كلام ابن منجا . وليس فيه كبير جدوى . ولا يرد على المصنف ما قال . فإن مراده بقوله " يلغى فعل نفسه " أنه يسقط فعل نفسه ، وما يترتب عليه . بدليل قوله " وعلى عاقلة صاحبيه ثلثا الدية " . ولا يلزم من إلغاء فعل نفسه وجوب كمال الدية . وعلى تقدير أنه يلزمه ذلك : فمحله إذا لم يكن يذكر الحكم . والله أعلم .

فائدة : لو قتل الحجر الثلاثة ، فعلى قول القاضي : على عاقلة كل واحد ثلثا الدية ، وثلثها هدر . وعلى قول أبي الخطاب : على عاقلة كل واحد كمال الدية للآخرين ، وقدمه في الرعايتين ، والحاوي .

التالي السابق


الخدمات العلمية