الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
624 - " إذا رأى أحدكم امرأة حسناء؛ فأعجبته؛ فليأت أهله؛ فإن البضع واحد؛ ومعها مثل الذي معها " ؛ (خط)؛ عن عمر .

التالي السابق


(إذا رأى أحدكم امرأة حسناء) ؛ بالمد؛ ذات حسن؛ قيد به لأن الإعجاب إنما يكون بها؛ فلو رأى قبيحة فأعجبته لخبث طباعه؛ كما يقع لكثير أنهم يميلون إلى العجوز أكثر من الشابة؛ كان حكمه ما ذكر؛ وقوله: (فأعجبته) ؛ أي: استحسنها؛ لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه؛ قال الراغب : و" الحسن" : عبارة عن كل منهج مرغوب فيه؛ (فليأت) ؛ ندبا؛ فإن تعين طريقا لدفع المفسدة؛ وجب؛ (أهله) ؛ أي: فليجامع حليلته؛ ليسكن ما به من حر الشهوة؛ خوفا من استحكام داعي فتنة النظر؛ (فإن البضع) ؛ بالضم: الفرج؛ أو الجماع؛ (واحد) ؛ يعني: الفروج متحدة المذاق؛ غير مختلفة عند الحذاق؛ و" البضع" ؛ كما في المصباح وغيره؛ يطلق على الفرج؛ والجماع؛ كلاهما سائغ هنا؛ قال الزمخشري : ومن الكناية: " بضع المرأة" ؛ جامعها؛ و" باضعها؛ بضاعا" ؛ و" ملك بضعها" ؛ إذا عقد عليها؛ (ومعها مثل الذي معها) ؛ أي: معها فرج مثل فرج الأجنبية؛ ولا مزية لفرج الأجنبية؛ والتمييز بينهما من فخوخ الشيطان وتزيينه؛ أرشد من ابتلي بذلك إلى أن يداويه بجماع حليلته؛ فإن فيه تسلية عن المطلوب بجنسه؛ ولأن النظر يثير قوة الشهوة؛ فأمر بتنقيصها؛ وذلك أن أول النظر الموافقة؛ ثم الميل؛ ثم المحبة؛ ثم الود؛ ثم الهوى؛ ثم الوله؛ فالموافقة للطبع؛ والميل للنفس؛ والود للقلب؛ والمحبة للفؤاد؛ والهوى غلبة الحب؛ والوله زيادة الهوى؛ فمن مال قلبه إلى امرأة؛ ولم يقدر على دفع ميله؛ خيف عليه أن يزيد؛ فيصير حبا؛ ثم هوى موقعا في الفاحشة؛ فأمر الشارع بإتيان حليلته؛ ليتخلص عما في نفسه من الميل؛ باندفاع الشهوة الداعية إليه؛ ويؤخذ منه ندب تكرير إتيانها إذا لم يندفع بأول مرة؛ لاستيلاء الميل على قلبه؛ وأنه يعجل ذلك؛ ولا يمهل؛ خوف المحذور؛ نقل ابن الحاج عن بعضهم أن هذا مستحب؛ استحبابا مؤكدا؛ فإنه يصون به دينه؛ لكن ينبغي أن يعلم أن المأمور به هنا الوطء بلا تفكر في محاسن تلك الأجنبية؛ أما لو وطئ حليلته متفكرا في تلك؛ حتى خيل لنفسه أنه يطؤها؛ فهذا غير مراد بالحديث؛ وفيه اختلاف ذهب بعض المالكية إلى حرمته؛ فقال: يحرم أن يجعل تلك الصورة بين عينيه؛ فإنه نوع من الزنا؛ كما قالوا فيما لو أخذ كوز ماء فصور في نفسه أنه خمر؛ فشربه؛ فإن الماء يصير حراما؛ وذهب جمع شافعية إلى حله؛ لأنه لم يخطر بباله عند ذلك التفكر والتخيل فعل زنا؛ ولا مقدماته؛ فهو متناس للوصف الذاتي؛ متذكر للوصف العرضي؛ باعتبار تخيله؛ ولا محذور فيه؛ فإن فرض أنه ضم له قصد الزنا بتلك الحسناء؛ لو ظفر بها؛ وصمم عليه؛ حرم عليه.

(تنبيه) : يؤخذ من التعليل أنه لو رأى امرأة فمالت نفسه للفعل بها؛ ندب له إتيان حليلته؛ وتكراره؛ لتنقص شهوته؛ وتنكسر حدته.

(خط؛ عن عمر ) ؛ قضية صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة؛ وهو عجيب؛ فقد رواه مسلم ؛ وأبو داود ؛ والترمذي ؛ في النكاح؛ بمعناه؛ من حديث جابر ؛ بألفاظ متقاربة؛ ولفظ أكثرهم: " إذا رأى أحدكم امرأة؛ فوقعت في قلبه؛ فليعمد إلى امرأته؛ فليواقعها؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه" .



الخدمات العلمية