الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
591 - " إذا دخل العشر؛ وأراد أحدكم أن يضحي؛ فلا يمس من شعره؛ ولا من بشره شيئا " ؛ (م ن هـ) ؛ عن أم سلمة .

التالي السابق


(إذا دخل العشر) ؛ عشر ذي الحجة؛ فاللام للعهد؛ كأنه لا عشر إلا هو؛ (وأراد أحدكم) ؛ وهو غير محرم؛ (أن يضحي) ؛ قال في المنضد: الفاء للتعقيب؛ كأن الإرادة كانت عقب دخول العشر مقارنة لأول جزء منه؛ وكذا قوله: (فلا يمس) ؛ لأن المنع من المس معقب للإرادة؛ فإنه مع اتصاف كونه مريدا للتضحية؛ ينبغي ألا يمس؛ (من شعره) ؛ أي: شعر بدنه؛ رأسا؛ أو لحية؛ أو شاربا؛ أو إبطا؛ أو عانة؛ أو غيرها؛ (ولا) ؛ من؛ (بشره) ؛ كظفر؛ وجلد؛ بل قال الإسنوي: أو دم؛ لكن اعترض بأنه لا يصلح لعده من الأجزاء هنا؛ وإنما المراد الأجزاء الظاهرة؛ نحو جلدة لا يضر قطعها شيئا؛ بل يبقيه ليشمل المغفرة؛ والعتق من النار جميع أجزائه؛ فإنه يغفر له بأول قطرة من دمها؛ كما في أخبار تأتي؛ وأما توجيه بعضهم بأنه يفعل ذلك تشبها بالمحرمين؛ فلا يخفى فساده؛ إذ لو كان كذلك كره نحو الطيب؛ والمخيط؛ ولا قائل به؛ ثم إن خالف وأزال شيئا من ذلك كره عند الشافعية؛ وحرم عند أحمد ؛ وغيره؛ ما لم يحتج؛ بل قد يجب؛ كقطع يد سارق؛ وختان بالغ؛ وقد يندب؛ كتنظيف شعث لمريد إحرام؛ أو حضور جمعة؛ وقد يباح؛ كقلع سن وجعة؛ ولو تعددت أضحيته انتفت الكراهة بالأولى؛ بناء على الأصح أن الحكم المعلق على معنى يكفي فيه أدنى المراتب لتحقق المسمى فيه؛ و" البشرة" : ظاهر [ ص: 340 ] الجلد؛ و" المس" ؛ و" اللمس" ؛ ههنا سواء؛ وهو كناية عن حلق الشعر؛ أو قصه؛ أو نتفه؛ وإزالة الظفر؛ بقص؛ أو غيره؛ وهو المراد بالبشرة؛ فكنى عنه بالمس؛ لأنه مس مخصوص بزيادة فعل؛ ثم إنه في هذا الخبر لم يتعرض لانقضاء مدة المنع؛ وقد بينه في خبر آخر بقوله - عقب ما ذكر -: " حتى يضحي" ؛ والأول اكتفى بدلالة اللفظ عليه؛ لأن تقديم ذكر العشر؛ والتضحية؛ يدل على أن الأمد انقضاء العشر؛ ووقوع التضحية؛ ولأنه حكم قارنه ذكر العشر؛ وإذا تعلق حكم الشيء بأمد له نهاية؛ علم أن منتهاه منتهى ذلك الأمد؛ ولهذا لما علق الحكم في خبر بهلال ذي الحجة؛ احتاج أن يوضحه بقوله: " حتى يضحي" ؛ ذكره في المنضد؛ لكن بحث بعضهم أنه يضم لعشر ذي الحجة ما بعده من أيام التشريق؛ وفيه عدم وجوب الأضحية؛ لتعلقها بالإرادة؛ فهي سنة للموسر؛ لا يأثم بتركها عند الشافعي ومالك وأحمد ؛ وأوجبها أبو حنيفة على مقيم ملك نصابا.

(م ن هـ) ؛ في الأضاحي؛ (عن أم سلمة ) ؛ ولم يخرجه البخاري .



الخدمات العلمية