الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
907 - " أذيبوا طعامكم بذكر الله؛ والصلاة؛ ولا تناموا عليه؛ فتقسو قلوبكم " ؛ (طس عد)؛ ابن السني؛ وأبو نعيم؛ في الطب؛ (هب)؛ عن عائشة؛ (ض).

التالي السابق


(أذيبوا) ؛ أي: أسيلوا؛ وفي المصباح: " ذاب الشيء" ؛ سال؛ و" الذائب" ؛ خلاف الجامد؛ (طعامكم) ؛ أي: ما تناولتموه من عشائكم؛ وغدائكم؛ (بذكر الله) ؛ أي: بملازمة الذكر عليه؛ من نحو قراءة؛ وتهليل؛ وتكبير؛ (والصلاة) ؛ الشرعية؛ يعني: اذكروا الله؛ وصلوا عقب الأكل؛ (ولا تناموا) ؛ عليه؛ أي: بعد الطعام؛ قبل انهضامه عن أعالي المعدة؛ (فتقسو) ؛ أي: فإنكم إن نمتم عليه؛ تقسو؛ و" تقسو" ؛ منصوب بفتحة على الواو؛ لأنه جواب النهي؛ ومن جعلها ضمير الجمع فإنما يتخرج على لغة " أكلوني البراغيث" ؛ (قلوبكم) ؛ أي: تغلظ وتشتد؛ وتكتسب ظلمة وحجبا؛ فلا تنجع فيها بعد ذلك المواعظ؛ ولا تنزجر بالزواجر؛ بل تصير كالحجر الصلب؛ ومن قيل فيه:


وليس يزجركم ما توعظون به ... والبهم يزجرها الراعي فتنزجر

أبعد آدم ترجون الخلود وهل
... تبقى فروع الأصل حين ينعقر؟ [ ص: 459 ] لا ينفع الذكر قلبا قاسيا أبدا
... والحبل في الحجر القاسي له أثر



والطعام ظلمة؛ والذكر نور؛ فيزال بنور الذكر ظلمة الطعام؛ قال الغزالي: وفيه أنه يستحب ألا ينام على الشبع؛ فيجمع بين غفلتين؛ فيعتاد الفتور؛ ويقسو قلبه؛ ولكن ليصل؛ أو يجلس يذكر الله؛ فإنه أقرب إلى الشكر؛ وأقل ذلك أن يصلي أربع ركعات؛ أو يسبح مائة تسبيحة عقب كل أكلة؛ وكان الثوري إذا شبع ليلة؛ أحياها؛ وإذا شبع يوما؛ واصله بالذكر؛ قال الحراني : و" القسوة" : اشتداد التصلب والتحجر.

(طس عد؛ وابن السني ) ؛ في اليوم والليلة؛ ( وأبو نعيم ؛ في) ؛ كتاب؛ (الطب) ؛ النبوي؛ (هب؛ عن عائشة ) ؛ ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه؛ والأمر بخلافه؛ بل تعقبه بقوله: هذا منكر؛ تفرد به بزيغ؛ وكان ضعيفا؛ أهـ؛ وقال الهيتمي - بعد عزوه للطبراني -: فيه بزيغ؛ وهو متروك؛ وقال ابن محمود؛ شارح أبي داود - بعدما عزاه لابن السني -: فيه بزيغ الخصاف؛ متهم؛ وقال العراقي في الحديث: سنده ضعيف؛ وأورده ابن الجوزي في الموضوع؛ وقال: بزيغ متروك؛ وهو تعسف؛ لما أن الترك لا يوجب الحكم بالوضع؛ واعلم أن للحديث طريقين؛ الأول: عن عبد الرحمن بن المبارك؛ عن بزيغ؛ عن هشام ؛ عن عروة ؛ عن عائشة ؛ والثاني عن أبي الأشعث ؛ عن أصرم بن حوشب؛ عن عبد الله الشيباني؛ عن هشام ؛ عن عروة ؛ عن عائشة ؛ فأخرجه من الطريق الأول الطبراني ؛ والأوسط؛ وابن السني ؛ وأبو نعيم ؛ والبيهقي ؛ ومن الطريق الثاني ابن السني ؛ فأما بزيغ؛ فمتروك؛ بل قال بعضهم: متهم؛ وأما أصرم؛ ففي الميزان عن ابن معين: كذاب؛ خبيث؛ وعن ابن حبان : كان يضع على الثقات؛ وقال ابن عدي : هو معروف ببزيغ؛ فلعل أصرم سرقه منه؛ ولهذا حكم الجوزي بأنه موضوع؛ فقال: موضوع؛ بزيغ متروك؛ وأصرم كذاب؛ وتعقبه المؤلف بأن العراقي اختصر في تخريج الإحياء على تضعيفه؛ وأنت خبير بأن هذا التعقيب أوهن من بيت العنكبوت؛ وبأن له عند الديلمي شاهدا من حديث أصرم هذا؛ وعن علي مرفوعا: " أكل العشاء؛ والنوم عليه قسوة في القلب" ؛ هذا حاصل تعقبه.



الخدمات العلمية