الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
197 - " أحب الأعمال إلى الله أدومها؛ وإن قل " ؛ (ق)؛ عن عائشة .

التالي السابق


(أحب الأعمال إلى الله) ؛ أي: عند الله؛ فـ " إلى" ؛ بمعنى " عند" ؛ وقيل: للتبيين؛ لأن " إلى" ؛ المتعلقة بما يفهم حبا؛ أو بغضا؛ من فعل تعجب أو تفضيل؛ معناها التبيين؛ كما ذكره ابن مالك ؛ وابن هشام ؛ (أدومها) ؛ أي: أكثرها ثوابا؛ أكثرها تتابعا؛ ومواظبة؛ ولفظ رواية مسلم : " ما دووم عليه" ؛ كذا هو في أكثر أصوله؛ بواوين؛ وفي بعضها بواو واحدة؛ والصواب الأول؛ قال الكرماني: و" أدوم" ؛ أفعل تفضيل من " الدوام" ؛ وهو شمول جميع الأزمنة؛ على التأبيد؛ فإن قيل: شمول جميع الأزمنة لا يقبل التفضيل؛ فما معنى " الأدوم" ؟ قلت: المراد بالدوام: العرفي؛ وهو قابل للكثرة؛ أو القلة؛ (وإن قل) ؛ ذلك العمل؛ المداوم عليه جدا؛ لأن النفس تألفه؛ فيدوم بسببه الإقبال على الحق - تقدس - ولأن تارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصل؛ ولأن المواظب ملازم للخدمة؛ وليس من لازم الباب كمن جد؛ ثم انقطع عن الأعتاب؛ ولهذا قال بعض الأنجاب: ولا تقطع [ ص: 166 ] الخدمة؛ وإن ظهر لك عدم القبول؛ وكفى بك شرفا أن يقيمك في خدمته؛ ولأن المداوم يدوم له الإمداد من حضرة رب العباد؛ ولذلك شدد الصوفية النكير على ترك الأوراد؛ وفيه فضيلة الدوام على العمل؛ ورأفة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بأمته؛ حيث أرشدهم إلى ما يصلحهم؛ وهو ما يمكنهم الدوام عليه؛ بلا مشقة؛ لأن النفس فيه أنشط؛ وبه يحصل مقصود العمل؛ وهو الحضور؛ هذا عصارة ما قيل في توجيه الدوام؛ في هذا المقام؛ وأقول: يحتمل أن يكون المراد بالدوام الترفق بالنفس؛ وتدريبها في التعبد؛ لئلا تضجر؛ فيكون من قبيل: " إن لجسدك عليك حقا" ؛ يقال: " استدمت الأمر" ؛ ترفقت به؛ وتمهلت؛ و" استدمت غريمي" ؛ رفقت به.

(ق؛ عن عائشة ) ؛ - رضي الله عنها - ورواه أحمد بلفظ: " أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه؛ وإن قل" ؛ والله أعلم.



الخدمات العلمية