الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
134 - " اتقوا الدنيا؛ واتقوا النساء؛ فإن إبليس طلاع؛ رصاد؛ وما هو بشيء من فخوخه بأوثق لصيده في الأتقياء من النساء " ؛ (فر)؛ عن معاذ ؛ (ض).

التالي السابق


(اتقوا الدنيا) ؛ أي: احذروا الاغترار بما فيها؛ فإنها في وشك الزوال؛ ومظنة الترحال؛ فلا تقربوا الأسباب المؤدية للانهماك فيها؛ أو الزيادة على الحاجة؛ فإنها عرض زائل؛ وحال حائل؛ وقال بعضهم:


أقبلت الدنيا وكم قتلت ... كم سترت الدنيا وكم فضحت



فالسعيد من إذا مدت إليه باعها باعها؛ والشقي من إذا مدت إليه باعها أطاعها؛ والدنيا عند أهل الطريق عبارة عما شغل عن الله - سبحانه وتعالى -؛ (واتقوا النساء) ؛ أي: احذروا الافتتان بهن؛ وصونوا أنفسكم عن التطلع إليهن؛ والتقرب منهن بالحرام؛ (فإن إبليس) ؛ من " أبلس" ؛ تحير؛ أو من " البلس" ؛ محركا؛ من لا خير فيه؛ أو عنده إبلاس؛ وشر؛ و" المبلس" : الساكت حزنا؛ كذا قرره؛ وأبطله الكشاف بأنه لو كان " إفعيل" ؛ من " الإبلاس" ؛ كما زعموا؛ لم يكن فيه إلا سبب واحد؛ وهو العلمية؛ وكان منصرفا؛ فمنع صرفه دليل العجمة؛ قال ابن العماد: ولإبليس اثنان وثلاثون اسما؛ ومن أولاده ثلاثة عشر؛ لكل منهم اسم يخصه؛ (طلاع) ؛ بفتح الطاء؛ وشد اللام؛ صيغة مبالغة من قولهم: " رجل طلاع الثنايا" ؛ مجرب للأمور؛ ركاب لها؛ [ ص: 133 ] يعلوها؛ ويقهرها؛ ويهجم عليها بشدة وغلبة؛ قال الزمخشري : ومن المجاز: " طلع علينا فلان" ؛ هجم؛ (رصاد) ؛ بالتشديد؛ أي: رقاب وثاب؛ كما يرصد القطاع القافلة؛ فيثبون عليها؛ قال الراغب : و" الرصد" : الاستعداد والترقب؛ وقال الزمخشري : " رصدته" ؛ رقبته؛ و" فلان يخاف رصدا من قدامه؛ وطلبا من ورائه" ؛ أي: عدوا يرصده؛ فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ؛ ومن المجاز: " أنا لك بالرصد؛ والمرصاد" ؛ أي: لا تفوتني؛ وفي التنزيل: إن ربك لبالمرصاد ؛ أي: مراقبك؛ لا تخفى عليه أعمالك؛ ولا تفوته؛ فالشيطان لما رأى الإنسان خلق عجولا؛ راغبا في العجالة؛ توسل إليه بواسطة العجلة؛ التي في طبعه؛ فوعده بالغرور؛ واستغواه؛ وكره إليه المصير للآخرة؛ وزين له الحاضرة؛ ونصب له فخوخا؛ كالبحار الزاخرة؛ (وما) ؛ نافية؛ (هو بشيء) ؛ الباء زائدة؛ والتنكير للتعميم؛ لأنه في سياق النفي؛ (من) ؛ بيانية؛ (فخوخه) ؛ جمع " فخ" ؛ بفتح الفاء؛ وشد الخاء المعجمة؛ آلة الصيد؛ قال الزمخشري : من المجاز: " وثب فلان من فخ إبليس" ؛ إذا تاب؛ (بأوثق) ؛ أحكم؛ (لصيده) ؛ أي: لمصيده؛ (في الأتقياء) ؛ خصهم لما لهم من الشهرة على قهر الشيطان؛ ورد كيده؛ (من النساء) ؛ بيان للأوثق؛ أي: ما يثق في صيده الأتقياء بشيء من آلات الصيد وثوقه بالنساء؛ أما كونهن من فخوخه فلأنه جعلهن مصيدة يزينهن في قلوب الرجال؛ ويغريهم بهن؛ فيورطهم في الزنا؛ كصائد ينصب شبكته ليصطاد بها؛ ويغري الصيد عليها؛ ليقع في حبائلها؛ قال أبو حمزة الخراساني: النظر رسول البلايا؛ وسهام المنايا؛ وقال بعض الحكماء: من غلب هواه عقله افتضح؛ ومن غض طرفه استراح؛ وقال بعضهم: لا شيء أشد من ترك الشهوة؛ تحريك الساكن أيسر من تسكين المتحرك؛ وقال ابن الحاج: قال صاحب الأنوار: احذروا الاغترار بالنساء؛ وإن كن نساكا عبادا؛ فإنهن يركن إلى كل بلية؛ ولا يستوحشن من كل فتنة؛ وقال بعض العارفين: ما أيس الشيطان من إنسان قط إلا أتاه من قبل النساء؛ لأن حبس النفس ممكن لأهل الكمال؛ إلا عنهن؛ لأنهن من ذوات الرجال؛ وشقائقهم؛ ولسن غيرا حتى يمكن التباعد عنه؛ والتحرز عنه؛ الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ؛ وما عداهن فاتباع هوى النفس فيه آية تكذيب وعد الرحمن؛ وعلامة الاسترسال مع الشيطان؛ وتصديقه فيما يزينه من البهتان؛ ولذا نرى الكامل الحازم منقادا مسترسل الزمام لتلك الناقصات عقلا ودينا؛ مقهورا تحت حكمهن؛ قال:


إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لا يحيين قتلانا


يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا



وقال الرشيد الخليفة:


ملك الثلاث من الإناث عناني ... وحللن من قلبي أعز مكان


ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصياني


ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... وبه غلبن أعز من سلطاني



فعلى من ابتلي بالميل إليهن مصارعة الشيطان؛ فإذا غلب باعث شهوة الوقاع المحرم - بحيث لا يملك معها فرجه؛ أو ملكه ولم يملك طرفه؛ أو ملكه ولم يملك قلبه - [يجب] أن ينظر إلى مادة قوة الشهوة؛ من الأطعمة؛ فيقللها؛ كما وكيفا؛ ويحسم محرك الغضب؛ وهو النظر؛ ففي خبر أحمد : " النظر إلى محاسن المرأة سهم من سهام إبليس" ؛ وهذا السهم يسدده إبليس نحو القلب؛ ولا طريق إلى رده إلا الغض والانحراف عن جهة المرمى؛ فإنه إنما يرمي هذا السهم عن قوس الصورة؛ فإذا لم تقف في طريقها أخطأك السهم؛ وإن نصبت قلبك غرضا أصابك؛ وأن تسلي النفس بالمباح المعوض عن الحرام؛ فالدواء الأول يشبه قطع العلف عن الدابة الجموح؛ والكلب الضاري؛ لإضعاف قوتهما؛ والثاني كتغييب الشعير عن الدابة؛ وأن تتفكر في مفاسد قضاء هذا الوطر؛ فإنه لو لم يكن جنة؛ ولا نار؛ ففي مفاسده الدنيوية ما يصد عن إجابة ذلك الداعي؛ لكن عين الهوى عمياء.

(فر؛ عن معاذ ) ؛ ابن جبل؛ وفيه هشام بن عمار ؛ قال أبو حاتم : صدوق تغير؛ فكان يتلقن كما يلقن؛ وقال أبو داود : حدث بأكثر من أربعمائة حديث؛ لا أصل لها؛ وفيه سعيد بن سنان؛ عن أبي الزاهرية ؛ وهو الحمصي؛ قال الذهبي : في الضعفاء؛ متهم بالوضع.



الخدمات العلمية