الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
760 - " إذا عظمت أمتي الدنيا؛ نزعت منها هيبة الإسلام؛ وإذا تركت الأمر بالمعروف؛ والنهي عن المنكر؛ حرمت بركة الوحي؛ وإذا تسابت أمتي؛ سقطت من عين الله " ؛ الحكيم؛ عن أبي هريرة ؛ (ض).

التالي السابق


(إذا عظمت) ؛ بفتح المهملة؛ وشد المعجمة؛ (أمتي الدنيا) ؛ أراد بالدنيا: الدراهم؛ والدنانير؛ كما يصرح به لفظ رواية ابن أبي الدنيا : " إذا عظمت أمتي الدينار؛ والدرهم" ؛ وتعظيمها بالتهافت على تحصيلهما؛ وادخارهما؛ والضنة بهما عن الإنفاق [ ص: 405 ] في وجوه القرب؛ (نزعت) ؛ بالبناء للمفعول؛ أي: نزع الله منها؛ (هيبة الإسلام) ؛ لأن من شرط الإسلام تسليم النفس لله؛ عبودية؛ فمن عظم الدنيا؛ أخذت بقلبه؛ فسبته؛ فصار عبدها؛ فلم يقدر على بذل النفس لله؛ لأنه عبد دنياه؛ فلا يملك نفسه؛ فيبذلها؛ وإذا فسد الباطن؛ ذهبت الهيبة والبهاء؛ لأن الهيبة إنما هي لمن هاب الله؛ قال في الاختيار: ولا يجتمع تعظيم الدنيا؛ وتعظيم الحق في قلب واحد أبدا؛ (وإذا تركت الأمر بالمعروف؛ والنهي عن المنكر) ؛ مع القدرة؛ وغلبة ظن سلامة العاقبة؛ (حرمت) ؛ بضم؛ فكسر؛ (بركة الوحي) ؛ يعني فهم القرآن؛ وقد شرط الله الإنابة في الفهم؛ والتذكير؛ إنما يتذكر أولو الألباب ؛ ذكره الغزالي عن الفضيل ؛ وذلك لأن في ترك الأمر؛ والنهي؛ خذلان الحق؛ وجفوة الدين؛ وفي خذلان الحق ذهاب البصيرة؛ وفي جفاء الدين فقد النور؛ فيحجب القلب؛ فيحرم بركته؛ وحرمان بركته أن يقرأه فلا يفهم أسراره؛ ولا يذوق حلاوته؛ وهو من أعلم الناس بالعلوم العربية؛ وأبصرهم بتفسيره؛ وقد عمي عن زواجره وقوع وعده؛ ووعيده وأمثاله؛ (وإذا تسابت أمتي) ؛ أي: شتم بعضها بعضا؛ (سقطت من عين الله) ؛ أي: حط قدرها؛ وحقر أمرها؛ يقال: هذا الفعل مسقط للإنسان من أعين الناس؛ وذلك لأن السباب بدؤه الكبر؛ واحتقار الناس؛ والحسد؛ والبغي؛ والتنافس في الدنيا؛ وهو مسقط من عين الله؛ ومن سقط من عينه خرج من كلاءته ورعايته؛ ومن زالت عنه رعايته؛ ذهبت عصمته؛ فله في كل نائبة ورطة؛ حتى تؤديه إلى الورطة الكبرى: سلب الدين؛ والانتكاص على عقبيه؛ ومن سقط من عينه؛ لم يبال في أي واد هلك؛ وأي شيطان سباه؛ هذا في السباب؛ فكيف بما فوقه؟!

( الحكيم) ؛ الترمذي ؛ (عن أبي هريرة ) ؛ قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا ؛ في كتاب الأمر بالمعروف؛ والنهي عن المنكر؛ معضلا؛ من حديث الفضيل .



الخدمات العلمية