الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
153 - " اتقوا هذه المذابح - يعني المحاريب " ؛ (هق طب)؛ عن ابن عمرو .

التالي السابق


(اتقوا هذه المذابح) ؛ جمع " مذبح" ؛ قال في الفردوس وغيره: (يعني المحاريب) ؛ أي: تجنبوا تحري صدور المجالس؛ يعني التنافس فيها؛ ووقع للمصنف أنه جعل هذا نهيا عن اتخاذ المحاريب في المساجد؛ والوقوف فيها؛ وقال: خفي على قوم كون المحراب بالمسجد بدعة؛ وظنوا أنه كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولم يكن في زمنه؛ ولا في زمن أحد من خلفائه؛ بل حدث في المائة الثانية؛ مع ثبوت النهي عن اتخاذه؛ ثم تعقب قول الزركشي: المشهور أن اتخاذه جائز؛ لا مكروه؛ ولم يزل عمل الناس عليه بلا نكير؛ بأنه لا نفل في المذهب فيه؛ وقد ثبت النهي عنه؛ انتهى؛ أقول: وهذا بناء منه على ما فهمه من لفظ الحديث أن مراده بالمحراب ليس إلا ما هو المتعارف في المسجد الآن؛ ولا كذلك؛ فإن الإمام الشهير المعروف بـ " ابن الأثير" ؛ قد نص على أن المراد بالمحاريب في الحديث صدور المجالس؛ قال: ومنه حديث أنس : " كان يكره المحاريب" ؛ أي: لم يكن يحب أن يجلس في صدور المجالس؛ ويرتفع على الناس؛ انتهى؛ واقتفاه في ذلك جمع؛ جازمين به؛ ولم يحكوا خلافه؛ منهم الحافظ الهيتمي وغيره؛ وقال الحراني : " المحراب" : صدر البيت؛ ومقدمه؛ الذي لا يكاد يوصل إليه إلا بفضل منه وقوة جهد؛ وفي الكشاف؛ في تفسير: كلما دخل عليها زكريا المحراب ؛ ما نصه: قيل: بنى لها زكريا محرابا في المسجد؛ أي: غرفة؛ تصعد إليها بسلم؛ وقيل: " المحراب" ؛ أشرف المجالس؛ ومقدمها؛ كأنها وضعت في أشرف موضع في بيت المقدس؛ وقيل: كانت [ ص: 145 ] مساجدهم تسمى " المحاريب" ؛ انتهى؛ وقال في تفسير: يعملون له ما يشاء من محاريب " المحاريب" : المساكن والمجالس الشريفة؛ سميت به لأنه يحامى عليها ويذب عنها؛ وقيل: المساجد؛ انتهى؛ وفي الأساس: " مررت بمذبح النصارى؛ ومذابيحهم؛ وهي محاريبهم؛ ومواضع كتبهم؛ ونحوها المناسك للمتعبدات؛ وهي في الأصل المذابح؛ انتهى؛ وفي الفائق: " المحراب" : المكان الرفيع والمجلس الشريف؛ لأنه يدافع عنه؛ ويحارب دونه؛ ومنه قيل: " محراب الأسد" ؛ لمأواه؛ وسمي القصر والغرفة المنيفة " محرابا" ؛ انتهى بنصه؛ وفي القاموس: " المذابح" : المحاريب؛ والمقاصير؛ وبيوت النصارى؛ و" المحراب" : الغرفة؛ وصدر البيت؛ وأكرم مواضعه؛ ومقام الإمام من المسجد؛ والموضع ينفرد به الملك؛ وقال الكمال بن الهمام؛ في الفتح؛ بعدما نقل كراهة صلاة الإمام في المحراب؛ لما فيه من التشبه بأهل الكتاب؛ والامتياز عن القوم؛ ما نصه: لا يخفى أن امتياز الإمام مفردا مطلوب في الشرع؛ في حق المكان؛ حتى كان التقدم واجبا عليه؛ وغاية ما هنا كونه في خصوص مكان؛ ولا أثر لذلك؛ فإنه بني في المساجد المحاريب من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولو لم تبن لكانت السنة أن يتقدم في محاذاة ذلك المكان؛ لأنه يحاذي وسط الصف؛ وهو المطلوب؛ إذ قيامه في غير محاذاته مكروه؛ وغايته اتفاق الملتين في بعض الأحكام؛ ولا بدع فيه؛ على أن أهل الكتاب إنما يخصون الإمام بالمكان المرتفع؛ كما قيل؛ فلا تشبه؛ انتهى.

(طب هق؛ عن ابن عمرو ) ؛ ابن العاص؛ رمز المصنف لحسنه؛ قال الهيتمي: فيه عبد الرحمن بن مغرا؛ وثقه ابن حبان وغيره؛ وضعفه ابن المديني في روايته عن الأعمش ؛ وليس هذا منها؛ انتهى؛ وقال المصنف: حديث ثابت؛ وهو على رأي أبي زرعة ومتابعيه صحيح؛ وعلى رأي ابن عدي حسن؛ والحسن إذا ورد من طريق ثان ارتقى إلى الصحة؛ انتهى؛ وهو غير صواب؛ فقد تعقبه الحافظ الذهبي في المذهب؛ على البيهقي ؛ فقال: قلت: هذا خبر منكر؛ تفرد به عبد الرحمن بن مغرا؛ وليس بحجة؛ انتهى؛ وحينئذ فإثبات الحكم بصحته بفرض ما فهمه المؤلف منه؛ لا يصار إليه.



الخدمات العلمية