الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقد سلك النسائي أغمض تلك المسالك؛ وأجلها؛ وكان شهما منبسطا في المأكل؛ كثير الجماع للنساء؛ مع كثرة التعبد؛ دخل دمشق؛ فذكر فضائل علي - رضي الله عنه -؛ فقيل له: فمعاوية؟ فقال: ما كفاه أن يذهب رأسا برأس؛ حتى نذكر له فضائل؛ فدفع في خصيتيه حتى أشرف على الموت؛ فأخرج؛ فمات بالرملة؛ أو فلسطين؛ سنة ثلاث وثلاثمائة؛ وحمل للمقدس؛ أو مكة؛ فدفن بين الصفا والمروة؛ ورمز له بالنون؛ لأن نسبته أشهر من اسمه وكنيته؛ ولم يرمز له بالسين لئلا يتصحف بابن أبي شيبة؛ (" هـ" : لابن ماجه) ؛ الحافظ الكبير؛ محمد بن يزيد الربعي؛ مولاهم القزويني؛ و" ماجه" ؛ لقب لأبيه؛ كان من أكابر الحفاظ؛ مجمع على توثيقه؛ ولما عرض سننه على أبي زرعة قال: أظن أن هذا الكتاب إن وقع بأيدي الناس تعطلت الجوامع؛ أو أكثرها؛ مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين؛ قال المزني: كل ما انفرد به ابن ماجه عن الخمسة ضعيف؛ واعترض؛ ثم حمل تارة على الأحكام؛ وطورا على الرجال؛ ورمز له بالهاء؛ لأن اشتهاره بلقب أبيه أكثر منه باسمه وبلده؛ (" 4" : لهؤلاء الأربعة) ؛ أي: أصحاب السنن الأربعة؛ أبي داود؛ ومن بعده؛ (" 3" : لهم؛ إلا ابن ماجه) ؛ وهذه السنن الأربعة فيها الصحيح؛ والحسن؛ والضعيف؛ فليس كل ما فيها حسنا؛ ولهذا عابوا على محيي السنة في تقسيمه المصابيح إلى: الصحاح؛ والحسان؛ جانحا إلى أن الحسن ما رواه أصحاب السنن؛ والصحاح ما في الصحيحين؛ أو أحدهما؛ وقول السلفي: اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في الكتب الخمسة؛ زلل فاحش؛ (" حم" : لأحمد في مسنده) ؛ بفتح النون؛ يقال لكتاب جمع فيه ما أسنده الصحابة؛ - أي: رووه - وللإسناد؛ كمسند الشهاب؛ ومسند الفردوس؛ أي: إسناد حديثهما؛ ولم يكتف في الرمز إليه بحرف واحد؛ كما فعل في أولئك؛ لئلا يتصحف بعلامة البخاري؛ والإمام أحمد هو ابن محمد بن حنبل؛ الناصر للسنة؛ الصابر على المحنة؛ [ ص: 26 ] الذي قال فيه الشافعي: ما ببغداد أفقه؛ ولا أزهد منه؛ وقال إمام الحرمين: غسل وجه السنة من غبار البدعة؛ وكشف الغمة عن عقيدة الأمة؛ ولد ببغداد سنة أربع وخمسين ومائة؛ وروى عن الشافعي وابن مهدي؛ وخلق؛ وعنه الشيخان وغيرهما؛ ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين؛ وارتجت الدنيا لموته؛ قال ابن المديني: مسنده - وهو نحو أربعين ألفا - أصل من أصول الإسلام؛ وقال ابن الصلاح: مسند أحمد ونحوه من المسانيد - كأبي يعلى والبزار والدارمي وابن راهويه وعبد بن حميد - لا يلتحق بالأصول الخمسة وما أشبهها؛ أي: كسنن ابن ماجه؛ في الاحتجاج بها؛ والركون إليها؛ وقال العراقي: وجود الضعيف في مسند أحمد محقق؛ بل فيه أحاديث موضوعة؛ جمعتها في جزء؛ وتعقبه تلميذه الحافظ ابن حجر بأنه ليس فيه حديث ولا أصل له؛ إلا أربعة؛ منها خبر ابن عوف أنه يدخل الجنة زحفا؛ قال - أعني ابن حجر؛ في تجريد زوائد البزار -: وإذا كان الحديث في مسند أحمد؛ لا يعزى لغيره من المسانيد؛ (" عم" : لابنه) ؛ عبد الله؛ روى عن أبيه؛ وابن معين؛ وخلق؛ وعنه النسائي؛ والطبراني؛ وغيرهما؛ روى علما كثيرا؛ قال الخطابي: ثقة؛ ثبت؛ ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين؛ ومات سنة تسعين ومائتين؛ (في زوائده) ؛ أي: زوائد مسند أبيه؛ جمع فيه نحو عشرة آلاف حديث؛ (" ك" : للحاكم) ؛ محمد بن عبد الله بن حمدويه الضبي الشافعي؛ الإمام الرحال المعروف بابن البيع؛ قال أبو حاتم وغيره: قام الإجماع على ثقته؛ ونسب إلى التشيع؛ وقال الذهبي: ثقة؛ ثبت؛ لكنه يتشيع؛ ويحط على معاوية؛ والله يحب الإنصاف؛ ما الرجل برافضي؛ كما زعمه ابن طاهر؛ أما صدقه في نفسه؛ ومعرفته بهذا الشأن؛ فمجمع عليه؛ وقال السبكي: اتفق العلماء على أنه من أعظم الأئمة الذين حفظ الله بهم الدين؛ ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة؛ وأكثر الرحلة والسماع؛ حتى سمع من نيسابور من نحو ألف شيخ؛ ومن غيرها أكثر؛ ولا تعجب من ذلك؛ فإن ابن النجار ذكر أن أبا سعيد السمعاني له سبعة آلاف شيخ؛ واستملى على ابن حبان؛ وتفقه على ابن أبي هريرة؛ وغيره؛ روى عنه الأئمة الدارقطني والقفال الشاشي؛ وهما من شيوخه؛ والبيهقي؛ وأكثر عنه؛ وبكتبه تفقه الأستاذ أبو القاسم القشيري؛ ورحل الناس إليه من الآفاق؛ وحدثوا عنه في حياته؛ وأفرد المديني ترجمته؛ وذكر أنه دخل الحمام فاغتسل؛ وقال: آه؛ فخرجت روحه وهو مستور؛ لم يلبس القميص؛ (فإن كان في مستدركه) ؛ على الصحيحين ما فاتهما؛ الذي قصد فيه ضبط الزائد عليهما؛ مما على شرطهما؛ أو شرط أحدهما؛ أو هو صحيح؛ (أطلقت) ؛ العزو إليه عاريا عن التقييد؛ بأن أذكر صورة حرف " ك" ؛ يقال: " أطلقت القول" ؛ أرسلته من غير قيد ولا شرط؛ و" أطلقت البينة" ؛ شهدت من غير تقييد بتاريخ؛ ذكره الزمخشري؛ (وإلا) ؛ بأن كان في تاريخه؛ أو " المدخل" ؛ أو " الإكليل" ؛ أو غيرها من كتبه التي بلغت - كما قال السبكي وغيره - نحو خمسمائة؛ بل قال عبد الغافر؛ والفارسي: ألفا؛ بل قيل: أكثر؛ (بينته) ؛ قالوا: وقد تساهل الحاكم فيما استدركه على الشيخين؛ لموته قبل تنقيحه؛ أو لكونه ألفه آخر عمره؛ وقد تغير حاله؛ أو لغير ذلك؛ ومن ثم تعقب الذهبي كثيرا منه بالضعف والنكارة؛ وقال: ما أدري؛ هل خفيت عليه؟ فما هو ممن يجهل؛ وإن علم فهذه خيانة عظيمة؛ وجملة ما فيه مما على شرطهما؛ أو أحدهما؛ نحو نصفه؛ وما صح بسنده نحو ربعه؛ وأما قول الماليني: لم أر فيه حديثا واحدا على شرطهما؛ فأبطله الذهبي بأنه غلو؛ وإسراف؛ قال: وما انفرد بتصحيحه ولم يكن مردودا بعلة؛ فهو دائر بين الصحة والحسن؛ وظاهر تصرف الحاكم أنه ممن يرى اندراج الحسن في الصحيح؛ قال ابن أبي شريف بنحو الاعتراض بتساهله في الصحيح؛ (" خد" : للبخاري؛ في الأدب) ؛ أي: في كتاب " الأدب المفرد" ؛ وهو مشهور؛ (" تخ" : له؛ في التاريخ) ؛ أي: الكبير؛ فـ " ال" ؛ فيه للعهد؛ إذ هو المعهود المشهور فيما بين القوم؛ وأطلقه لغلبة اشتهاره؛ وتبادر الأذهان إليه؛ ويحتمل أن المراد واحد من الكتب التي صنفها في التاريخ؛ وهي ثلاثة؛ وهي: كبير؛ وأوسط؛ وصغير؛ والكبير صنفه وعمره ثماني عشرة سنة؛ عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال ابن منده: لو كتب الرجل ثلاثين ألفا ما استغنى عن تاريخ البخاري؛ وقال السبكي: تاريخه لم يسبق إليه؛ ومن ألف بعده في التاريخ؛ أو الأسماء؛ أو الكنى؛ عيال عليه؛ فمنهم من نسبه لنفسه؛ كمسلم وأبي زرعة وأبي حاتم؛ ومنهم من حكاه عنه؛ (" حب" : لابن [ ص: 27 ] حبان ) ؛ بكسر الحاء؛ وتشديد الموحدة؛ وهو محمد بن حبان؛ أبو حاتم التميمي الفقيه الشافعي البستي؛ أحد الحفاظ الكبار؛ روى عن النسائي وأبي يعلى وابن خزيمة؛ وخلق؛ وعنه الحاكم وغيره؛ وصنف كتبا نفيسة؛ منها: " تاريخ الثقات" ؛ و" تاريخ الضعفاء" ؛ ولي قضاء سمرقند؛ وكان رأسا في الحديث؛ عالما بالفقه والكلام والطب والفلسفة والنجوم؛ ولهذا امتحن؛ ونسب للزندقة؛ وأمر بقتله؛ ثم مات بسمرقند سنة أربع وخمسين وثلاثمائة؛ في عشر الثمانين؛ (في صحيحه) ؛ المسمى بـ " التقاسيم والأنواع" ؛ المقدم عندهم على مستدرك الحاكم؛ قال الحازمي: ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم؛ أشد تساهلا منه؛ غايته أن ابن حبان يسمي الحسن " صحيحا" ؛ أهـ.

وما اقتضاه كلام التقريب كأصله؛ مما يخالف ذلك؛ رده الزين العراقي بأن ابن حبان شرط تخريج مراويه: ثقة؛ غير مدلس؛ سمع من شيخه؛ وسمع منه الآخذ عنه؛ ووفى بالتزامه؛ ولم يعرف للحاكم؛ قال: وصحيح ابن خزيمة أعلى رتبة من صحيح ابن حبان؛ لشدة تحريه؛ فأصح من صنف في الصحيح بعد الشيخين ابن خزيمة؛ فابن حبان؛ فالحاكم.

قال ابن حجر: وذكر ابن حبان في كتابه أنه إنما لم يرتبه ليحفظ؛ لأنه لو رتبه ترتيبا سهلا لاتكل على كل من يكون عنده على سهولة الكشف؛ فلا يحفظه؛ وإذا توعر طريق الكشف كان أدعى لحفظه؛ ليكون على ذكر من جمعه؛ (" طب" : للطبراني) ؛ سليمان اللخمي؛ أبي القاسم؛ أحد الحفاظ المكثرين الجوالين؛ صاحب التصانيف الكثيرة؛ أخذ عن أكثر من ألف شيخ؛ منهم أبو زرعة؛ وطبقته؛ وعنه أبو نعيم وغيره؛ قال الذهبي: ثقة؛ صدوق؛ واسع الحفظ؛ بصير بالعلل والرجال والأبواب؛ كثير التصانيف؛ إليه المنتهى في كثرة الحديث وعلومه؛ تكلم ابن مردويه في أخيه؛ فأوهم أنه فيه؛ وليس به؛ بل هو حافظ ثبت؛ مات بأصبهان سنة ستين وثلاثمائة؛ عن مائة سنة وعشرة أشهر؛ (في الكبير) ؛ أي: معجمه الكبير؛ المصنف في أسماء الصحابة؛ قيل: أورد فيه ستين ألف حديث؛ (" طس" : له في الأوسط) ؛ أي: معجمه الأوسط الذي ألفه في غرائب شيوخه؛ يقال: ضمنه نحو ثلاثين ألفا؛ وفي تاريخ ابن عساكر أن الطبراني كان يقول: هذا الكتاب روحي؛ (" طص" : له في الصغير) ؛ أي: أصغر معاجيمه؛ فيه نحو عشرين ألفا؛ ومما يستغرب أني وقفت على تذكرة المقريزي بخطه؛ فوجدته ذكر في ترجمة الحافظ ابن حجر أنه كان سريع الكتابة؛ سريع القراءة؛ بحيث قرأ المعجم الصغير للطبراني في مجلس واحد؛ بصالحية دمشق؛ قال في اللسان: وقد عاب عليه أبو الفضل جمعه الأحاديث الأفراد؛ مع ما فيها من النكارة والشذوذ والموضوعات؛ وفي بعضها القدح في كثير من قدماء الصحابة؛ وغيرهم؛ وهذا أمر لا يختص به الطبراني؛ فلا معنى لإفراده باللوم؛ بل أكثر المحدثين في الأعصار الماضية إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته؛ انتهى.

(" ص" : لسعيد بن منصور في سننه) ؛ هو أبو عثمان الخراساني؛ ويقال: الطالقاني؛ ثقة؛ ثبت؛ صاحب السنن؛ روى عن مالك والليث؛ وعنه أحمد وأبو داود؛ وغيرهما؛ مات بمكة؛ سنة سبع وعشرين ومائتين؛ في عشر التسعين؛ وسننه: قال المصنف في شرح التقريب: ومن مظان المعضل والمنقطع والمرسل سنن سعيد بن منصور؛ " السنن" ؛ جمع " سنة" ؛ قال الحافظ العراقي : والتعبير بها أدنى من التعبير بالحديث؛ لأنه لا يختص عندهم وصفه بالمرفوع؛ بل يشمل الموقوف؛ بخلاف السنة؛ قال الزين زكريا: وبما قاله علم أن بينهما عموما مطلقا؛ قال: والحديث الضعيف لا يسمى " سنة" ؛ هكذا جزم به في شرح الألفية؛ (" ش" : لابن أبي شيبة) ؛ الحافظ الثبت العديم النظير عبد الله محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي صاحب المسند والأحكام والتفسير؛ وغيرها؛ سمع من ابن المبارك؛ وابن عيينة؛ وتلك الطبقة؛ وعنه الشيخان وأبو داود وابن ماجه؛ وخلق؛ قال الفلاس: ما رأيت أحفظ منه؛ مات سنة خمس وثلاثين ومائتين؛ (" عب" : لعبد الرزاق في الجامع) ؛ هو ابن همام بن نافع أبو بكر؛ أحد الأعلام؛ روى عن ابن جريج ومعمر؛ وعنه أحمد وإسحاق؛ مات عن خمس وثمانين؛ ببغداد؛ سنة إحدى عشرة ومائتين؛ وكان يتشيع؛ (" ع" : لأبي يعلى في مسنده) ؛ الحافظ الثبت؛ محدث الجزيرة؛ أحمد بن علي بن المثنى التميمي؛ سمع ابن معين وطبقته؛ وعنه ابن حبان؛ والإسماعيلي؛ وغيرهما؛ أهل صدق وأمانة وعلم وحلم؛ وثقه ابن حبان والحاكم؛ ولد [ ص: 28 ] سنة عشر ومائتين؛ ومات سنة سبع وثلاثمائة؛ (" قط" : للدارقطني ) ؛ نسبة إلى الدار والقطن؛ ركب الاسمان؛ وجعلا واحدا؛ ونسب إليه؛ كما نبه عليه في المصباح؛ (فإن كانت في السنن أطلقت) ؛ العزو إليه؛ عاريا عن التقييد؛ (وإلا) ؛ بأن كان في غيرها من تصانيفه؛ كـ " العلل" ؛ (بينته) ؛ أي: عينت الكتاب الذي فيه؛ وهو جهبذ العلل؛ الحافظ الجبل؛ علي بن عمر البغدادي الشافعي؛ إمام زمانه؛ وسيد أهل عصره؛ تفقه على الإصطخري وروى عن البغوي؛ وابن صاعد؛ والمحاملي؛ وعنه القاضي أبو الطيب؛ والبرقاني والصابوني؛ وغيرهم؛ قيل للحاكم: هل رأيت مثله؟ قال: هو ما رأى مثل نفسه؛ فكيف أنا؟! وله مصنفات يطول سردها؛ قال أبو الطيب: هو أمير المؤمنين في الحديث؛ ومن تأمل سننه عرف قدر علمه بمذاهب العلماء؛ قال الخطيب: رفيع دهره؛ وإمام وقته؛ صحيح الاعتقاد؛ عارف بمذاهب الفقهاء؛ واسع الاطلاع؛ لكن رأيت في كلام الذهبي ما يشير إلى أنه كان يتساهل في الرجال؛ فإنه قال مرة: الدارقطني مجمع الحشرات؛ وقال أخرى - لما نقل عن ابن الجوزي في حديث أعله الدارقطني أنه لا يقبل تضعيفه حتى يبين سببه - ما نصه: هذا يدل على هوى ابن الجوزي؛ وقلة علمه بالدارقطني؛ فإنه لا يضعف إلا من لا طب فيه؛ انتهى.

ولد سنة ست وثلاثمائة؛ ومات سنة خمس وثمانين؛ عن نحو ثمانين سنة؛ وصلى عليه الشيخ أبو حامد؛ ودفن بقرب معروف الكرخي؛ (" فر" : للديلمي في مسند الفردوس) ؛ المسمى بـ " مأثور الخطاب" ؛ المخرج على كتاب الشهاب؛ والفردوس؛ للإمام عماد الإسلام أبي شجاع الديلمي؛ ألفه محذوف الأسانيد؛ مرتبا على الحروف؛ ليسهل حفظه؛ وأعلم بإزائها بالحروف للمخرجين؛ كما مر؛ ومسنده لولده سيد الحفاظ أبي منصور بن شبرويه؛ خرج سند كل حديث تحته؛ وسماه " إبانة الشبه في معرفة كيفية الوقوف على ما في كتاب الفردوس من علامات الحروف" ؛ (" حل" : لأبي نعيم) ؛ أحمد بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني؛ الصوفي؛ الفقيه الشافعي الحافظ المكثر؛ أخذ عن الطبراني وغيره؛ وعنه الخطيب وغيره؛ هو من أخص تلامذته؛ وعجب عدم ذكره له في كتاب " تاريخ بغداد" ؛ مع كونه دخلها؛ قال الذهبي: صدوق؛ تكلم فيه بلا حجة؛ لكنه عقوبة من الله؛ لكلامه في ابن منده بهوى؛ وكلام ابن منده فيه فظيع؛ لا أحب حكاياته؛ ولا أقبل قول كل منهما في الآخر؛ بل هما مقبولان؛ ولا أعلم لهما ذنبا أكثر من روايتهما الموضوعات ساكتين عليها؛ وكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به؛ وما علمت عصرا سلم من ذلك أهله؛ سوى الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم -؛ مات بأصبهان سنة ثلاثين وأربعمائة؛ عن أربع وتسعين سنة؛ هذا كلام الذهبي.

(في الحلية) ؛ أي: كتاب " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" ؛ قالوا: لما صنفه بيع في حياته بأربعمائة دينار؛ واشتهرت بركته؛ وعلت في الخافقين درجته؛ وناهيك بقول الإمام أبي عثمان الصابوني - كما نقله عنه في الوضوء وغيره -: كل بيت فيه " حلية الأولياء" ؛ لأبي نعيم؛ لا يدخله الشيطان؛ (" هب" : للبيهقي) ؛ نسبة إلى " بيهق" ؛ قرى مجتمعة بنواحي نيسابور؛ وهو الإمام الجليل الحافظ الكبير؛ أحد أئمة الشافعية؛ الموصوف بالفصاحة والبراعة؛ سمع من الحاكم وغيره؛ وبلغت تصانيفه نحو الألف؛ قال السبكي: ولم يتفق ذلك لأحد؛ قال الذهبي ودائرته في الحديث ليست كبيرة؛ بل بورك له في مروياته؛ وحسن تصرفه فيها؛ لحذقه؛ وخبرته بالأبواب؛ والرجال؛ واعتنى بجمع نصوص الشافعي؛ وتخريج أحاديثها؛ حتى قال إمام الحرمين: ما من شافعي إلا وللشافعي في عنقه منة؛ إلا البيهقي؛ فله عليه المنة؛ (في شعب الإيمان) ؛ بكسر أوله؛ كتاب نفيس؛ غزير الفوائد؛ في ستة أسفار كبار؛ (" هق" : له في السنن) ؛ الكبرى؛ الذي قال السبكي: لم يصنف أحد مثله؛ تهذيبا وترتيبا وجودة.

ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة؛ ومات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة؛ بنيسابور؛ وحمل لبيهق؛ فدفن بها؛ (" عد" : لابن عدي) ؛ الحافظ عبد الله بن عدي بن القطان أبي أحمد عبد الله الجرجاني؛ أحد الحفاظ الأعيان؛ وأحد الجهابذة الذين طافوا البلاد؛ وهجروا الوساد؛ وواصلوا السهاد؛ وقطعوا المعتاد؛ طالبين للعلم؛ لا يعتري هممهم قصور؛ ولا يثني عزمهم عظائم الأمور؛ وقواطع الدهور؛ روى عن الجمحي وغيره؛ وعنه أبو حامد الإسفراييني؛ وأبو سعيد الماليني؛ قال البيهقي: حافظ متقن؛ لم يكن في زمنه مثله؛ وقال ابن عساكر: ثقة؛ على لحن فيه؛ مات سنة خمس وستين وثلاثمائة؛ عن ثمان وثمانين سنة؛ (في) ؛ كتاب (الكامل) ؛ أي: في كتابه المسمى بـ " الكامل" ؛ الذي ألفه في معرفة [ ص: 29 ] الضعفاء؛ وهو أصل من الأصول المعول عليها؛ والمرجوع إليها؛ طابق اسمه معناه؛ ووافق لفظه فحواه؛ من عينه انتجع المنتجعون؛ وبشهادته حكم الحاكمون؛ وإلى ما قاله رجع المتقدمون والمتأخرون؛ (" عق" : للعقيلي) ؛ في كتابه الذي صنفه (في الضعفاء) ؛ أي: في بيان حال رجال الحديث الضعفاء؛ جمع " ضعيف" ؛ و" الضعف" ؛ بفتح الضاد؛ في لغة تميم؛ وبضمها؛ في لغة قريش: خلاف القوة والصحة؛ (" خط" : للخطيب ) ؛ الحافظ أحمد بن علي بن ثابت أبي بكر البغدادي الفقيه الشافعي؛ أحد الأعلام الحفاظ؛ ومهرة الحديث؛ له نحو خمسين مؤلفا؛ ولد سنة ثنتين وتسعين وثلاثمائة؛ وسمع خلائق لا يحصون؛ وأخذ الفقه عن المحاملي؛ وأبي الطيب؛ وقال ابن السمعاني: كان مهابا موقرا ثقة حجة حسن الخط كثير الضبط فصيحا؛ ختم به الحفاظ؛ له ثروة ظاهرة؛ وصدقات طائلة؛ مات سنة ثلاث وستين وأربعمائة؛ ببغداد؛ وحمل جنازته صاحب " المهذب" ؛ ودفن بجانب بشر الحافي؛ وكان شرب ماء زمزم لذلك؛ وأن يحدث بتاريخه بجامع بغداد؛ وأن يملي بجامع المنصور؛ فاستجيب له؛ وكان سريع القراءة جدا؛ قرأ البخاري على كريمة المروزية في خمسة أيام؛ وسمع على إسماعيل الضرير البخاري في ثلاث مجالس؛ وله نظم حسن؛ منه:


الشمس تشبهه والبدر يحكيه ... والدر يضحك والمرجان من فيه

    ومن سرى وظلام الليل معتكر
... فوجهه عن ضياء البدر يغنيه



(فإن كان) ؛ الحديث الذي أعزوه إليه؛ (في التاريخ) ؛ " تاريخ بغداد" ؛ المشهور؛ (أطلقت) ؛ العزو إليه؛ (وإلا) ؛ بأن كان في غيره من تآليفه المشتهرة المنتشرة؛ (بينته) ؛ بأن أعين الكتاب الذي هو فيه؛ وقال الحضرمي وغيره: ولعمري إن تاريخه من المصنفات التي سارت ألقابها بخلاف مضمونها؛ سماه " تاريخ بغداد" ؛ وهو تاريخ العالم؛ كـ " الأغاني" ؛ للأصبهاني؛ سماه " الأغاني" ؛ وفيه من كل شيء؛ (والله أسأل) ؛ لا غيره؛ كما يؤذن به تقديم المعمول؛ كما في: إياك نعبد ؛ (أن يمن) ؛ أي: ينعم علي؛ (بقبوله) ؛ مني؛ بأن يثيبني عليه في الآخرة؛ إذ لا معول إلا على نفعها؛ (وأن يجعلنا) ؛ أتى بنون العظمة؛ مع أن المقام مقام تعجيز؛ وإظهار افتقار؛ إظهارا لملزومها الذي هو نعمة؛ من تعظيم الله (تعالى) له؛ بتأهيله للعلم؛ امتثالا لقوله (تعالى): وأما بنعمة ربك فحدث ؛ أولا للتواضع؛ والإشارة إلى أن ذلك الجعل لا يكون له وحده؛ بل مع إخوانه من الأفاضل؛ أشار إليه التفتازاني؛ ونازعه الشريف؛ (عنده) ؛ عندية إعظام وإكرام؛ لا عندية مكان - تعالى الله عن ذلك -؛ (من حزبه) ؛ بكسر الحاء؛ أي: من خاصته؛ وجنده؛ يقال: " حزب قومه؛ فتحزبوا" ؛ أي: صاروا طوائف؛ و" فلان يحازب فلانا" ؛ ينصره؛ ويعاضده؛ ذكره الزمخشري؛ (المفلحين) ؛ أي: الكاملين في الفلاح؛ الفائزين بكل خير؛ المدركين لما طلبوا؛ الناجين عما رهبوا؛ " الفلاح" : درك البغية؛ أو الفوز والنجاة؛ (وحزب رسوله) ؛ أي: أتباع الله وأتباع رسوله؛ المقربين لديه؛ وكان ينبغي تأخير " المفلحين" ؛ عنه؛ لكنه قدمه؛ رعاية للفاصلة والتسجيع؛ وحزب الله هم المفلحون الغالبون؛ ألا إن حزب الله هم المفلحون ؛ فإن حزب الله هم الغالبون؛ قال القاضي: وأصل " الحزب" : القوم يجتمعون لأمر حزبهم؛ وقال الراغب : جماعة فيها غلظ.

إلى هنا تمام الكلام على شرح الخطبة؛ وقد ختمها المؤلف - كأكابر المحدثين - بحديث النية؛ وصيره جزءا منها؛ ولأمر ما بديع تطابقوا على هذا الصنيع؛ وهو أن الخلفاء الأربعة خطبوا به؛ فلما صلح للخطبة على المنابر صلح أن يجعل في خطب الدفاتر؛ فكأنه قال: قصدت بجمع هذا الجامع جمع حديث المصطفى؛ القائل: " إنما الأعمال بالنيات" ؛ فإن كنت قصدت وجه الله فسيجزيني عليه؛ وينفع به؛ أو عرضا دنيويا فسيكافئني بنيتي؛ ولما صحح فيه النية؛ وأخلص الطوية؛ نشره الله في الإسلام؛ ونفع به الخاص والعام؛ قال النووي في بستانه؛ وغيره: استحب العلماء أن تفتتح المصنفات بهذا الحديث؛ وممن ابتدأ به البخاري في صحيحه؛ ثم روى - أعني النووي؛ بإسناد عن ابن مهدي -: " من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ به" ؛ ورواه عنه أيضا العراقي في أماليه؛ قال ابن الكمال: ولما كان عالم الملك تحت قهر عالم الملكوت وتسخيره؛ لزم أن [ ص: 30 ] يكون لنيات النفوس وهيئتها تأثير فيما تباشره أبدانها من الأعمال؛ فكل عمل بنية صادقة رحمانية؛ عن هيئة نورانية؛ صحبته بركة؛ ويمن؛ وجمعية؛ وصفاء؛ وكل عمل بنية فاسدة شيطانية؛ عن هيئة غاسقة ظلمانية؛ صحبه محق وشؤم وتفرقة؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ( إنما الأعمال بالنيات )

التالي السابق


الخدمات العلمية