الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
209 - " أحب البلاد إلى الله مساجدها؛ وأبغض البلاد إلى الله أسواقها " ؛ (م)؛ عن أبي هريرة ؛ (حم ك) ؛ عن جبير بن مطعم .

التالي السابق


(أحب البلاد) ؛ أي: أحب أماكن البلاد؛ ويمكن أن يراد بالبلد المأوى؛ فلا تقدير؛ (إلى الله؛ مساجدها) ؛ لأنها بيوت الطاعة؛ وأساس التقوى؛ ومحل تنزلات الرحمة؛ قال الراغب : و" البلد" : المكان المحدود المتأثر باجتماع قطانه؛ وإقامتهم فيه؛ وتسمى المفازة " بلدا" ؛ لكونها محل الوحشيات؛ والمقبرة " بلدا" ؛ لكونها موطنا للأموات؛ (وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) ؛ جمع " سوق" ؛ سميت به لأن البضائع تساق إليها؛ وذلك لأنها مواطن الغفلة والغش والحرص والفتن والطمع والخيانة والأيمان الكاذبة في الأعراض الفانية؛ القاطعة عن الله (تعالى)؛ وقال الطيبي: تسمية المساجد والأسواق بـ " البلاد" ؛ خصوصا؛ تلميح إلى قوله (تعالى): والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ؛ وذلك لأن زوار المساجد؛ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ؛ وقصاد الأسواق شياطين الجن؛ والإنس؛ من الغفلة والحرص والشره؛ وذلك لا يزيد إلا بعدا من الله؛ ومن أوليائه؛ ولا يورث إلا دنوا من الشيطان وأحزابه؛ اللهم إلا من يغدو إلى طلب الحلال؛ الذي يصون به عرضه؛ ودينه؛ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ؛ وقال جمع: المراد بمحبة المساجد محبة ما يقع فيها من القرب؛ وببغض الأسواق بغض ما يقع فيها من المعاصي؛ مما غلب على أهلها من استيلاء الغفلة على قلوبهم؛ وشغل حواسهم بما وضع لهم من التدبير؛ فإليه ينظرون؛ وإليه يطلبون؛ والأسواق معدن النوال؛ ومظان الأرزاق والأفضال؛ وهي مملكة وضعها الله لأهل الدنيا؛ يتداولون فيها ملك الأشياء؛ لكن أهل الغفلة إذا دخلوها تعلقت قلوبهم بهذه الأسباب؛ فاتخذوها دولا؛ فصارت عليهم فتنة؛ فكانت أبغض البقاع؛ من هذه الجهة؛ وإلا فالسوق رحمة من الله (تعالى)؛ جعله معاشا لخلقه؛ يدر عليهم أرزاقهم فيها؛ من قطر [إلى] قطر؛ لتوجد تلك الأشياء عند الحاجة؛ ولو لم يكن ذلك لاحتاج كل منا إلى تعلم جميع الحرف؛ والترحال إلى البلاد ليلا ونهارا؛ فوضع السوق نعمة؛ وأهل الغفلة [ ص: 171 ] صدوا عن هذه الرحمة؛ ودنسوا نفوسهم بتعاطي الخطايا فيه؛ فصارت عليهم نقمة؛ وأما أهل اليقين فهم - وإن دخلوها - قلوبهم متعلقة بتدبير الله؛ فسلموا من فتنها؛ ومن ثم كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يدخل السوق؛ ويشتري ويبيع؛ قال الطيبي: وإنما قرن المساجد بالأسواق؛ مع وجود ما هو شر منها من البقاع؛ ليقابل بين معنى الالتهاء والاشتغال؛ وأن الأمر الديني يدفعه الأمر الدنيوي.

(م)؛ في الصلاة (عن أبي هريرة ) ؛ ورواه عنه أيضا ابن حبان ؛ وابن زنجويه ؛ (حم ك؛ عن جبير بن مطعم ) ؛ بضم الميم؛ وسكون الطاء؛ وكسر العين المهملتين؛ ولم يخرجه البخاري .



الخدمات العلمية