الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
628 - " إذا رأيت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة؛ فاعلم أنه لص " ؛ (فر)؛ عن أبي هريرة ؛ (ح).

التالي السابق


(إذا رأيت العالم) ؛ يعني: وجدته؛ (يخالط) ؛ أي: يداخل؛ (السلطان) ؛ الإمام الأعظم؛ أو أحد نوابه؛ (مخالطة كثيرة) ؛ أي: مداخلة كثيرة عادة؛ قال المرزوقي: وأصل " الخلطة" : تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض؛ وقد توسع فيه؛ حتى قيل: " رجل خليط" ؛ إذا اختلط بالناس كثيرا؛ (فاعلم أنه لص) ؛ بتثليث اللام؛ أي: سارق؛ أي: محتال على اقتناص الدنيا؛ وجذبها إليه من حرام وغيره؛ كما يحاول السارق إخراج المتاع من الحرز؛ فمخالطته له مؤذية بنظره لجدوى الدنيا الدنيئة الفانية؛ وإيثارها على الآخرة السنية الباقية؛ وعماه عن وبال ذلك في العقبى؛ كما حكي أن القائم بعد عمر بن عبد العزيز أراد الجري على منواله؛ حتى شهد له أربعون شيخا أن الخليفة لا حساب عليه؛ فترك؛ ورفع بعض العلماء حوائجه إلى المنصور ؛ فقضاها؛ فقال: يا أمير المؤمنين ؛ بقيت الحاجة العظمى؛ قال: وما هي؟ قال: شفاعتك يوم القيامة؛ فقال له بعض من حضر: إياك وهؤلاء؛ فإنهم قطاع الطريق في المآمن؛ وأصل ذلك كله الطمع؛ والملة الحنيفية مبناها على الاكتفاء بالقليل من الدنيا؛ والمبالغة في الحمية عن عموم ما لا يتناهى من المنهيات الكثيرة؛ مداخل الآفات منها على المخلوقات؛ والحمية عنها أصل الدواء؛ فمن لم يحتم من المنهيات؛ لم ينفعه التداوي بالمأمورات؛ فهؤلاء خدموا العلم دهرهم؛ وصاموا نهارهم؛ وقاموا ليلهم؛ وأتوا بالحسنات كالجبال؛ لكنهم تلطخوا بالأقذار؛ لما لم يتجمعوا عن التردد على أبواب الظلمة؛ لينالوا من دنياهم التي نهوا عن زهرتها؛ فلم ينفعهم الدواء؛ واحترز بقوله: " كثيرة" ؛ عما لو خالطه أحيانا بأقل ممكن؛ لنحو شفاعة؛ أو نظر مظلوم؛ أو وعظ.

(فر؛ عن أبي هريرة ) ؛ إسناده جيد.



الخدمات العلمية