الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
854 - " إذا مات ولد العبد؛ قال الله (تعالى) لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم؛ فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم؛ فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك؛ واسترجع؛ فيقول الله (تعالى): ابنوا لعبدي بيتا في الجنة؛ وسموه (بيت الحمد) " ؛ (ت) ؛ عن أبي موسى ؛ (ح).

التالي السابق


(إذا مات ولد العبد) ؛ أي: الإنسان؛ ولو أثنى؛ (قال الله - تعالى - لملائكته) ؛ الموكلين بقبض الأرواح؛ (قبضتم ولد عبدي؟) ؛ أي: روحه؛ (فيقولون: نعم؛ فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟) ؛ أي: نتيجته؛ كالثمرة؛ تنتجها الشجرة؛ (فيقولون: نعم؛ فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك؛ واسترجع) ؛ أي: قال: " إنا لله وإنا إليه راجعون" ؛ قال الطيبي: رجع السؤال إلى تنبيه الملائكة على ما أراد الله من التفضل على عبده الحامد؛ لأجل تصبره على المصائب؛ وعدم تشكيه؛ بل إعداده إياها من النعم الموجبة للشكر؛ ثم استرجاعه؛ وأن نفسه ملك لله؛ وإليه المصير؛ وقال أولا: " ولد عبدي" ؛ أي: فرع شجرته؛ ثم ترقى إلى " ثمرة فؤاده" ؛ أي: نقاوة خلاصته؛ فإن خلاصة المرء الفؤاد؛ إنما يعتد به لمكان اللطيفة التي خلق لها؛ فحقيق لمن فقد تلك النعمة؛ فتلقاها بالحمد؛ أن يكون هو محمودا؛ حتى المكان الذي يسكنه؛ ولذلك قال: (فيقول الله - تعالى - لملائكته) ؛ أو لمن شاء من خلقه: (ابنوا لعبدي بيتا في الجنة) ؛ يسكنه في الآخرة؛ (وسموه " بيت الحمد" ) ؛ أخذ من تسميته به أن الأسقام والمصائب لا يثاب عليها؛ لأنها ليست بفعل اختياري؛ بل هو على الصبر؛ وهو ما عليه ابن عبد السلام؛ وابن القيم؛ قالا: فهو إنما نال ذلك البيت بحمده؛ واسترجاعه؛ لا بمصيبته؛ وإنما ثواب المصيبة يكفر الخطايا؛ لكن الأصح خلافه.

(تنبيه) : ظاهر ترتيب الأمر ببناء البيت على الحمد والاسترجاع معا؛ أنه لو أتى بأحدهما دون الآخر؛ لا يبنى له شيء؛ وعليه فكان القياس في وجه التسمية أن يقال: " سموه بيت الحمد والاسترجاع" ؛ لكن الأقرب أن الخصلة التي يستحق بها ذلك إنما هي الحمد؛ وذلك الاسترجاع معه كالتتمة والرديف؛ بدليل إفراده بالتسمية.

(تتمة) ؛ قال المصنف: موت الأولاد فلذ الأكباد؛ ومصابهم؛ من أعظم مصاب؛ وفراقهم يقرع القلوب؛ والأوصال؛ والأعصاب؛ يا له من صدع لا يشعب؛ يوهي القوي؛ ويقوي الوهي؛ ويوهن العظم؛ ويعظم الوهن؛ مر المذاق؛ صعب لا يطاق؛ يضيق عنه النطاق؛ شديد على الإطلاق؛ لا جرم أن الله (تعالى) حث فيه على الصبر الجميل؛ ووعد عليه بالأجر الجزيل؛ وبنى له في الجنة ذاك البناء الجليل.

(ت) ؛ وكذا الطيالسي ؛ والطبراني ؛ والديلمي ؛ في مسند الفردوس؛ (عن أبي موسى) ؛ الأشعري ؛ قال الترمذي : حسن غريب؛ وهو مستند المؤلف في رمزه لحسنه؛ ورواه أيضا ابن حبان ؛ والإمام أحمد والبيهقي وغيرهم.



الخدمات العلمية