الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
265 - " احفظ ود أبيك؛ لا تقطعه فيطفئ الله نورك " ؛ (خد طس هب) ؛ عن ابن عمر ؛ (ح).

التالي السابق


(احفظ ود أبيك) ؛ بضم الواو؛ أي: محبته؛ وبكسرها؛ أي: صديقه؛ وعلى الأول؛ فيه كما في النهاية؛ حذف تقديره: " احفظ من كان ودا لأبيك" ؛ أي: صديقا له؛ وعلى الكسر لا تقدير؛ فإن " الود" ؛ بالكسر: الصديق ؛ (لا تقطعه) ؛ بنحو صد؛ وهجر؛ (فيطفئ الله نورك) ؛ بالنصب؛ جواب النهي؛ أي: يخمد ضياءك؛ ويذهب بهاءك؛ ويمسكه؛ وما يمسك الله فلا مرسل له؛ والمراد: احفظ محب أبيك؛ أو صديق أبيك؛ بالإحسان والمحبة؛ سيما بعد موته؛ ولا تهجره؛ فيذهب الله نور إيمانك؛ وهذا وعيد مهول؛ وتقريع يذهب عقول الفحول؛ عن قطع ود الأصول؛ حيث آذن عليه بذهاب نور الإيمان؛ وسخط الرحمن؛ وما يذكر إلا أولوا الألباب؛ ولم يقل: " ضوءك" ؛ بدل " نورك" ؛ لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة؛ فلو قيل: " فيطفئ الله ضوءك" ؛ لأوهم الذهاب بالزيادة؛ وبقاء ما يسمى " نورا" ؛ والغرض الأبلغية؛ والتوعد بانطماس النور بالكلية؛ قال الحافظ العراقي : وهل المراد به نوره في الدنيا؛ أو نوره في الآخرة؟ كل محتمل؛ وقد ورد في التنزيل ما يدل على كل منهما؛ أما في الدنيا ففي قوله: أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ؛ وقوله في حديث الحاكم : " إن النور إذا دخل الصدر انفسح" ؛ قيل: يا رسول الله؛ هل لذلك من علم؟ قال: " نعم؛ التجافي عن دار الغرور؛ والإنابة إلى دار الخلود؛ والاستعداد للموت قبل نزوله" ؛ وأما في الآخرة ففي نحو: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم ؛ قال: ويؤيد أن المراد النور الأخروي أن ترك الود لمن كان من أهل ود أبيه؛ نوع من النفاق؛ فإنه كان يجامل أباه؛ فلما توفي أبوه ترك ذلك؛ وترك النور في الآخرة جزاء من فيه نفاق؛ كما قال (تعالى): يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ؛ مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم ؛ وقد أخرج ابن المبارك ؛ في الزهد؛ عن ابن سلام: " والذي بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق نبيا؛ إنه لفي كتاب الله (تعالى): " لا تقطع من كان يصل أباك فيطفئ الله نورك" ؛ وأخرج ابن عساكر ؛ عن أبي هريرة ؛ عن كعب الأحبار قال: في كتاب الله الذي أنزل على موسى - عليه الصلاة والسلام -: " احفظ ود أبيك؛ لا تقطعه فيطفئ الله نورك" ؛وكالأب الجد؛ أبو الأب؛ والأم؛ ويظهر أن يلحق به جميع الأصول من الجهتين؛ ومن البين أن الكلام في أب محترم يحرم عقوقه؛ ويطلب بره.

(خد طس هب؛ عن ابن عمر) ؛ ابن الخطاب ؛ قال زين الحفاظ العراقي: إسناده جيد؛ والهيتمي: إسناده حسن؛ وسبب تحديث ابن عمر أنه مر في سفره على أعرابي؛ فقال له: ألست ابن فلان؟ فقال: نعم؛ فأعطاه حمارا كان يستعقبه؛ ونزع عمامته فأعطاه إياها؛ فقال من معه: أما يكفيه درهمان؟ فقال: " كان أبوه صديقا لعمر ؛ وقد قال المصطفى:..." ؛ فذكره؛ أهـ.



الخدمات العلمية