الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والفن الثاني : فيما ينفعه في علم المكاشفة ، وذلك بأن يتفكر مرة في نعم الله تعالى وتواتر آلائه الظاهرة والباطنة لتزيد معرفته بها ، ويكثر شكره عليها ، أو في عقوباته ونقماته لتزيد معرفته بقدرة الإله واستغنائه ، ويزيد خوفه منها ولكل واحد من هذه الأمور شعب كثيرة يتسع التفكر فيها على بعض الخلق دون البعض ، وإنما نستقضي ذلك في كتاب التفكر ومهما تيسر الفكر فهو أشرف العبادات إذ فيه معنى الذكر لله تعالى وزيادة أمرين:

أحدهما : زيادة المعرفة إذ الفكر مفتاح المعرفة والكشف والثاني : زيادة المحبة إذ لا يحب القلب إلا من اعتقد تعظيمه ولا تنكشف عظمة الله سبحانه وجلاله إلا بمعرفة صفاته ومعرفة قدرته وعجائب أفعاله فيحصل من الفكر المعرفة ومن المعرفة التعظيم ومن ، التعظيم المحبة

التالي السابق


( والفن الثاني: فيما ينفعه في علم المكاشفة، وذلك بأن يتفكر) في حكم الله -عز وجل- في الملك، وقدرته في الملكوت ( مرة في نعم الله -عز وجل- وتواتر الآيات الظاهرة والباطنة لتزيد معرفته بها، ويكثر شكره عليها، أو) يتفكر ( في عقوباته ونقماته وبلاءاته) الظاهرة والباطنة ( لتزيد معرفته بقدرة الله عز وجل واستغنائه، ويزيد خوفه منه) ومن ذلك قوله -عز وجل-: وذكرهم بأيام الله قيل: بنعمه، وقيل: بعقوباته، وقال تعالى: فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون أي: نعمه .

( ولكل واحد من هذه الأمور شعب كثيرة يتسع التفكر فيها على بعض الخلق دون البعض، وإنما يستقصى ذلك) على سبيل التفصيل ( في كتاب التفكر) إن شاء الله تعالى ( ومهما تيسر التفكر للذاكر) ( فهو أشرف العبادات) ولذا جاء في الخبر: "تفكر ساعة خير من عبادة سنة" والمراد به: هو الذي ينقل من المكاره إلى المحاب، ومن الرغبة والحرص إلى الزهد والقناعة. وقيل: هو التفكر الذي يظهر مشاهدة وتقوى، ويحدث ذكرا وهدى، كقوله تعالى: لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا وقد وصف أعداءه بضد ذلك فقال: كانت أعينهم في غطاء عن ذكري .

وإنما كان التفكر أشرف العبادات ( إذ فيه معنى الذكر لله -عز وجل- وزيادة أمرين: أحدهما: زيادة المعرفة) بالمذكور ( إذ التفكر مفتاح المعرفة والكشف) لأنه إدارة فكر وتصرف قلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب، فالفكر يد النفس التي تنال بها المعلومات كما تنال بيد الجسم المحوسات، وبهذا التصرف القلبي يتدرج إلى فتوح باب المعرفة والكشف الإلهي .

( الثاني: زيادة المحبة) للمذكور ( إذ لا يحب القلب إلا من اعتقد تعظيمه) في نفسه ( ولا تنكشف عظمة الله سبحانه وجلاله) وهيبته ( إلا بمعرفة صفاته) العلا ( ومعرفة قدرته) الباهرة ( وعجائب أفعاله) في خلقه ( فيحصل من الفكر المعرفة) كما قدمنا ( و) يحصل ( من المعرفة التعظيم، و) يحصل ( من التعظيم المحبة) فالمحبة متوقفة على التعظيم، كما أن التعظيم متوقف على المعرفة، وحصول المعرفة متوقف على التفكر، فالتفكر أصل هذه العبادات وما ينشأ عنها .




الخدمات العلمية