الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وليطول هذه الركعات ؛ إذ فيها تفتح أبواب السماء كما أوردنا الخبر فيه في باب صلاة التطوع وليقرأ فيها سورة البقرة أو سورة من المئين أو أربعا من المثاني فهذه ساعات يستجاب فيها الدعاء ، وأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرتفع له فيها عمل ثم يصلي الظهر بجماعة بعد أربع ركعات طويلة كما سبق أو قصيرة لا ينبغي أن يدعها ثم ليصل بعد الظهر ركعتين ، ثم أربعا فقد كره ، ابن مسعود أن تتبع الفريضة بمثلها من غير فاصل ويستحب أن يقرأ في هذه النافلة آية الكرسي ، وآخر سورة البقرة ، والآيات التي أوردناها في الورد الأول ؛ ليكون ذلك جامعا له بين الدعاء والذكر والقراءة والصلاة والتحميد والتسبيح ، مع شرف الوقت .

التالي السابق


( وليطول هذه الركعات؛ إذ فيها) أي: في تلك الساعة ( تفتح أبواب السماء) للمصلين والذاكرين ( كما أوردنا الخبر فيه في باب صلاة التطوع) وتقدم الكلام عليه قريبا، وفي كتاب الصلاة مفصلا ( وليقرأ فيها سورة البقرة) أو مقدارها ( أو سورتين من المئين أو أربعا من المثاني) يطيلهن ( فهذه ساعة يستجاب فيها الدعاء، وأحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرفع له فيها عمل) صالح، رواه أبو داود، وابن ماجه، من حديث أبي أيوب، وقد تقدم في الصلاة في الباب السادس .

وقال صاحب العوارف: فليقرأ في صلاة الزوال بمقدار سورة البقرة في النهار الطويل، وفي القصير: ما تيسر من ذلك. اهـ .

( ثم يصلي الظهر بجماعة) يعني الفرض ( بعد أربع ركعات) يعني السنة ( طويلة) بمقدار البقرة ونحوها ( كما سبق) في صلاة الزوال إن كان النهار طويلا ( أو قصيرة) إن كان النهار قصيرا، أو خاف فوت الجماعة ( ولا ينبغي أن يدعها) فقد روي عن أنس -رضي الله عنه- قال: "من صلى قبل الظهر أربعا غفر له ذنوبه يومه ذلك" رواه [ ص: 146 ] الخطيب، وابن عساكر.

وعن عمر الأنصاري، عن أبيه، رفعه: "من صلى قبل الظهر أربعا كن له كعتق رقبة من بني إسماعيل" رواه ابن أبي شيبة والطبراني.

وعن صفوان -رضي الله عنه-: "من صلى أربعا قبل الظهر كان له أجره كأجر عتق رقبة -أو قال: أربع رقاب- من ولد إسماعيل" رواه الطبراني.

وعن البراء -رضي الله عنه-: "من صلى قبل الظهر أربع ركعات كأنما تهجد بهن في ليلة" رواه الطبراني أيضا .

وقال صاحب العوارف بعد ذكره لصلاة الزوال: ثم يستعد لصلاة الظهر، فإن وجد في باطنه كدرا من مخالطة أو مجالسة اتفقت يستغفر الله، ويتضرع إليه، ولا يشرع في صلاة الظهر إلا بعد أن يجد الباطن عائد إلى حاله من الصفاء، والذائقون حلاوة المناجاة وصفوة الأنس في الصلاة يتكدرون بيسير من الاسترسال في المباح، ويصير على بواطنهم من ذلك عقد وكدر، وقد يكون ذلك بمجرد المخالطة والمجالسة مع الأهل والولد، مع كون ذلك عبادة، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، فلا يدخل في الصلاة إلا بعد حل العقد، وإذهاب الكدورة، وحل العقد بصدق الإنابة والاستغفار والتضرع إلى الله، ودواء ما يحدث من الكدر بمجالسة الأهل والولد أن يكون في مجالسته لهم غير راكن إليهم كل الركون، بل يسترق القلب في ذلك نظرات إلى الله تعالى، فتكون في تلك النظرات كفارة تلك المجالسة، إلا أن يكون قوي القلب في الحال، لا يحجبه الخلق عن الحق، فلا تنعقد على باطنه عقدة، فهو كما يدخل في الصلاة يجدها، ويجد باطنه وقلبه؛ لأنه حيث استروحت نفس هذا إلى المجالسة كان استرواح نفسه منغمرا بروح قلبه؛ لأنه يجالس ويخالط بعين ظاهرة، فعين ظاهرة ناظرة إلى الخلق وعين قلبه مطالعة إلى الحضرة الإلهية، فلا تنعقد على باطنه عقدة، وصلاة الزوال هي التي تحل العقد، وتهيئ الباطن لصلاة الظهر، فإن انتظر بعد السنة حضور الجماعة للفرض، وقرأ الدعاء الذي بين الفريضة والسنة عن صلاة الفجر فحسن، ثم إذا فرغ من صلاة الظهر يقرأ الفاتحة وآية الكرسي، ويسبح ويحمد ويكبر ثلاثا وثلاثين، ولو قدر على الآيات كلها التي ذكرناها بعد صلاة الصبح وعلى الأدعية أيضا كان ذلك خيرا كثيرا، وفضلا عظيما، ومن له همة ناهضة وعزيمة صادقة لا يستكثر شيئا لله تعالى .

( ثم ليصل بعد الظهر ركعتين، ثم أربعا، وكره ابن مسعود) رضي الله عنه ( أن يتبع الفريضة بمثلها من غير فاصل) نقله صاحب القوت، قال: قال مجاهد: قال عبد الله بن عمر: "من صلى أربعا بعد العشاء كن كعدلهن من ليلة القدر" قال حصين: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: "كان ابن مسعود يكره أن يتبع كل صلاة بمثلها، وكانوا يصلون العشاء، ثم يصلون ركعتين، ثم أربعا، فمن بدا له أن يوتر أوتر، ومن أراد أن ينام نام" وقد تقدم الكلام عليه في باب التطوع من كتاب الصلاة .

وأما الأربع التي بعد الظهر فقد روى ابن جرير، عن أم حبيبة -رضي الله عنها- رفعته: "من صلى أربعا قبل الظهر وأربعا بعده لم تمسه النار" رواه أحمد، وابن أبي شيبة، وابن زنجويه، والترمذي وقال: حسن غريب، والنسائي، وابن ماجه، بلفظ: "حرمه الله على النار" .

( ويستحب أن يقرأ في هذه النافلة) أي: الأربعة والاثنين ( آية الكرسي، وآخر سورة البقرة، والآيات التي أوردناها في الورد الأول؛ ليكون ذلك جامعا بين الدعاء والذكر والقراءة والصلاة والتحميد والتسبيح، مع شرف الوقت) أخذه من القوت، ولفظه: فإن لم يقرأ بين الأذانين من درسه فاستحب له أن يقرأ في تنفله الآي التي فيها الدعاء، مثل آخر سورة البقرة، وآخر سورة آل عمران، ومن تضاعيف السور الآيتين والثلاث، مثل قوله: أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا ومثل قوله: ربنا لا تزغ قلوبنا وقوله: ربنا عليك توكلنا الآية .

فإن قرأ فيها الآي التي فيها التعظيم والتسبيح والأسماء فحسن، مثل أول سورة الحديد، وآخر سورة الحشر، ومثل آية الكرسي، و قل هو الله أحد ليكون بذلك جامعا بين التلاوة والدعاء، وبين الصلاة والتعظيم والمدح بالأسماء، ثم ليصل الظهر بجماعة، ولا يدع أن يصلي قبلها أربعا وبعدها أربعا بعد ركعتين، وهذا هو آخر الورد الرابع من النهار. اهـ. فتأمل سياقه مع سياق المصنف .




الخدمات العلمية