الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرابعة : أن تكون خفيفة المهر .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير النساء أحسنهن وجوها ، وأرخصهن مهورا .

وقد نهى عن المغالاة في المهر .

تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه على عشرة دراهم ، وأثاث بيت ، وكان رحى يد وجرة ووسادة من أدم حشوها ليف .

وعلى وأولم على بعض نسائه بمدين من شعير .

وعلى أخرى بمدين من تمر ومدين من ، سويق .

وكان عمر رضي الله عنه ينهى عن المغالاة في الصداق ويقول : ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زوج بناته بأكثر من أربعمائة درهم .

ولو كانت المغالاة بمهور النساء مكرمة لسبق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوج بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نواة من ذهب ، قيمتها خمسة دراهم .

وزوج سعيد بن المسيب ابنته من أبي هريرة رضي الله عنه على درهمين ، ثم حملها هو إليه ليلا فأدخلها هو من الباب ، ثم انصرف ، ثم جاءها بعد سبعة أيام فسلم عليها ولو تزوج على عشرة دراهم للخروج من خلاف العلماء فلا بأس به .

وفي الخبر : من بركة المرأة سرعة تزويجها ، وسرعة رحمها ، أي : الولادة ، ويسر مهرها .

وقال أيضا أبركهن أقلهن مهرا .

وكما تكره المغالاة في المهر من جهة المرأة ، فيكره السؤال عن مالها من جهة الرجل .

ولا ، ينبغي أن ينكح طمعا في المال .

قال النوري إذا تزوج وقال : أي شيء للمرأة فاعلم ؟ أنه لص وإذا أهدى إليهم ، فلا ينبغي أن يهدي ليضطرهم إلى المقابلة بأكثر منه وكذلك إذا أهدوا إليه فنية طلب الزيادة نية فاسدة فأما التهادي فمستحب ، وهو سبب المودة .

قال صلى الله عليه وسلم : تهادوا تحابوا .

التالي السابق


(الرابعة: أن تكون خفيفة المهر، قال -صلى الله عليه وسلم-: خير النساء أحسنهن وجوها، وأرخصهن مهورا) ، قال العراقي: رواه ابن حبان من حديث ابن عباس: خيرهن أيسرهن صداقا، وله من حديث عائشة: من يمن المرأة تسهيل أمرها، وقلة صداقها، وروى أبو عمر النوقاني، في كتاب معاشرة الأهلين: إن أعظم النساء بركة أصبحهن وجوها، وأقلهن مهرا، اهـ. قلت: ومما يدل لحديث عائشة، حديث عقبة بن عامر، عن أبي داود، والديلمي: خير النكاح أيسره، فإنه يحتمل المعنيين المذكورين في حديث عائشة: أقله مهرا، وأسهله إجابة، وحديث ابن عباس أخرجه كذلك الطبراني في الكبير .

(وقد نهى عن المغالاة في المهر) ، رواه أصحاب السنن الأربعة موقوفا على عمر ، وصححه الترمذي: (تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض نسائه على عشرة دراهم، وأثاث البيت، وكان) ذلك الأثاث (رحى يد) لطحن الطعام، (وجرة) لشرب الماء والوضوء، (ووسادة) ، أي: فرشا (من أدم) ، محركة، أي: جلد مدبوغ، (حشوها ليف) ، أي: داخلها محشو بليف النخل، كذا هو في القوت، قال العراقي: رواه أبو داود، والطيالسي، والبزار، من حديث أنس: تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم سلمة على متاع بيت، قيمته عشرة دراهم. قال البزار: ورأيته في موضع آخر: تزوجها على متاع بيت، ورحى قيمته أربعون درهما. ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد، وكلاهما ضعيف، ولأحمد من حديث علي، لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة، ووسادة من أدم، حشوها ليف، ورحيين، وسقاء، وجرتين، ورواه الحاكم وصحح إسناده، وابن حبان مختصرا، اهـ .

(وأولم) -صلى الله عليه وسلم- (على بعض نسائه بمدين من شعير) ، رواه البخاري من حديث عائشة، (و) أولم (على) امرأة (أخرى بمدي تمر، ومدي سويق) ، كذا في القوت .

قال العراقي: روى الأربعة من حديث أنس: أولم على صفية بسويق وتمر. ولمسلم: فجعل الرجل يجئ بفضل التمر، وفضل السويق. وفي الصحيحين: التمر، والأقط، والسمن. وليس في شيء من الأصول تقييد التمر والسويق بمدين .

(وكان عمر بن) الخطاب (-رضي الله عنه- ينهى عن المغالاة) بمهور النساء، (ويقول: ما تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) امرأة من نسائه، (ولا زوج) امرأة من (بناته بأكثر من أربعمائة درهم) ، كذا في القوت، قال العراقي: رواه الأربعة من حديث عمر، قال الترمذي: حسن صحيح .

(ولو كانت المغالاة بمهور النساء مكرمة لسبق إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) ، ولما خطب عمر -رضي الله عنه- وعارض فيها لذلك، وقال: ألا لا يغال أحدكم بالمهر، فلا أعرفن أحدا يزيد في صداق امرأة على أربعمائة درهم، فقامت امرأة من قريش، وردت عليه بقوله تعالى: وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا فقال: اللهم غفرا، كل الناس أفقه من عمر. رواه أبو يعلى من طريق مجاهد، عن الشعبي، عن مسروق، وقد تقدم ذلك في كتاب العلم مطولا .

(وقد تزوج بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على نواة من ذهب، يقال قيمتها خمسة دراهم) ، ولفظ القوت: وروينا عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كانت مهور أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اثنتي عشرة أوقية ونصفا، وقد كان يزوج أصحابه على وزن نواة من ذهب، والنواة عندنا صغيرة، وهي نواة التمر الصيحانية، يقال: قيمتها خمسة دراهم، وفي خبر: زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه على نواة من ذهب، قومت ثلاثة دراهم، اهـ. قال العراقي: متفق عليه من حديث أنس: أن عبد الرحمن بن عوف تزوج على ذلك. تقويمها بخمسة دراهم، رواه البيهقي، اهـ. قلت: رواه البخاري في البيوع، وفي النكاح، ولفظه: فقال: مهيم يا عبد الرحمن؟ فقال: تزوجت البارحة، قال: فما سقت لها؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال: أولم ولو بشاة.

(و) قد (زوج سعيد بن المسيب) ، وهو من خيار التابعين وفقهاء المسلمين، (ابنته من أبي هريرة) -رضي الله عنه- (على درهمين، ثم حملها) هو (إليه فأدخلها [ ص: 346 ] هو) إليه (من الباب، ثم انصرف، ثم جاءها بعد سبعة أيام يسلم عليها) ، نقله صاحب القوت .

(ولو تزوج على عشرة دراهم للخروج من خلاف العلماء فلا بأس به) ، ولفظ القوت: ولا أكره التزويج على عشرة دراهم، وهو أكثر الاستحباب في القلة، ليخرج بذلك من اختلاف العلماء، ولا أستحب أن ينقص المهر من ثلاثة دراهم، وهذا القول الأوسط من مذاهب فقهاء الحجاز، اهـ. وقوله: للخروج من خلاف العلماء يشير إلى أنهم قد اختلفوا في تعيين المهر، فقال مالك: مقدر بربع دينار، أو ثلاثة دراهم، وقال ابن شبرمة: أقله خمسة دراهم، وقال إبراهيم النخعي: أقله أربعون درهما، وعنه: عشرون درهما، وقال سعيد بن جبير: أقله خمسون درهما، وقال الشافعي، وأحمد: ما جاز أن يكون ثمنا، جاز أن يكون مهرا، وقال أبو حنيفة: أقله عشرة دراهم، سواء كانت مضروبة، أو غير مضروبة، حتى يجوز وزن عشرة تبرا، وإن كانت قيمته أقل، بخلاف نصاب السرقة، وقال بعض الظاهرية: ما جاز أن يملك بالهبة، أو بالميراث، جاز أن يكون صداقا، وإن لم يصلح ثمنا في البيع، كحب حنطة، أو شعير، ودليل أبي حنيفة: حديث جابر: لا مهر أقل من عشرة دراهم. رواه الدارقطني، وفيه بشر بن عبيد، وحجاج بن أرطاة، وهما ضعيفان عند المحدثين، لكن البيهقي رواه من طرق وضعفها، والضعيف إذا روي من طرق يصير في عداد ما يحتج به، ذكره النووي في شرح المهذب، وحديث علي موقوفا عليه: أقل ما تستحل به المرأة عشرة دراهم. رواه البيهقي، وابن عبد البر، والكلام على صحيح الفريقين نفيا وإثباتا مبسوط في كتب الفروع .

(وفي الخبر: من بركة المرأة سرعة تزويجها، وسرعة رحمها، أي: الولادة، ويسر مهرها) كذا في القوت، وزاد فقال: وقال عروة: وأقول: إن من شؤمها كثرة صداقها، قال العراقي: رواه أحمد، والبيهقي، من حديث عائشة: من يمن المرأة أن تتيسر خطبتها، وأن يتيسر صداقها وأن يتيسر رحمها. قال عروة: يعني: الولادة، وإسناده جيد، اهـ. قلت: وكذلك رواه الحاكم، وقال: على شرط مسلم، وأقره الذهبي، وفي رواية لهم بلفظ: إن من يمن المرأة. وعند أبي نعيم في الحلية: من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها. وقال الهيثمي في مسند أحمد أسامه بن زيد بن أسلم بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات .

(وقال) -صلى الله عليه وسلم-: (أبركهن أقلهن مهرا) كذا في القوت، قال العراقي: رواه أبو عمر النوقاني في كتاب معاشرة الأهلين، من حديث عائشة: إن أعظم النساء بركة أصبحهن وجوها، وأقلهن مهرا. وقد تقدم، ولأحمد، والبيهقي: إن أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا. وإسناده جيد، اهـ. قلت: ويروى: أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة. وفي لفظ: مهورا. وقد رواه الحاكم كذلك، وقال: صحيح على شرط مسلم: وأقره الذهبي.

(وكما تكره المغالاة في المهر من جهة المرأة، فيكره السؤال عن مالها من جهة الرجل، فلا ينبغي أن ينكح طمعا في المال) ، ولا يصلح له أن يسأل: أي شيء للمرأة؟ (قال) سفيان (الثوري) -رحمه الله تعالى-: (إذا تزوج) الرجل (وقال: أي شيء للمرأة؟ فاعلم أنه لص) ، نقله صاحب القوت، (وإذا أهدى الرجل إليها شيئا، فلا ينبغي أن يهدي ليضطرهم) ويحوجهم (إلى المقابلة) فيما أهداه (بأكثر منه) ، وليس عليه أن يزيد فوق قيمته إن كان، (وكذلك إذا أهدوا إليه) وله أن لا يقبل هديتهم إذا علم ذلك منهم، (فنية طلب الزيادة) من الطرفين (نية فاسدة) ، أي: من زوج، أو تزوج على هذا أو بهذه النية، فهذه النية فاسدة، وليس نكاحه هذا للدين، ولا للآخرة، (فأما التهادي) بين الأحباب بدون هذه النية (فمستحب، وهو سبب المودة) والألفة، والوصلة (قال -صلى الله عليه وسلم-: تهادوا تحابوا) قال الحافظ تبعا للحاكم: إن كان بالتشديد فمن المحبة، وإن كان بالتخفيف فمن المحاباة، ويشهد للأول الخبر الآخر: تهادوا تزدادوا حبا. قال العراقي: رواه البخاري في الأدب المفرد، والبيهقي من حديث أبي هريرة بسند جيد، اهـ. قلت: وقال الحافظ: سنده حسن، وقد رواه كذلك أبو يعلى، والنسائي في الكنى، ويروى بزيادة: وتصافحوا يذهب عنكم الغل. رواه ابن عساكر، ورواه أحمد، والترمذي بلفظ: تهادوا، فإن الهدية تذهب وحر الصدر... الحديث، وفيه أبو بشر ضعيف، ورواه الطبراني من حديث عائشة بزيادة: وهاجروا تورثوا أبناءكم مجدا... الحديث، وعند ابن عساكر هكذا إلا أنه قال: [ ص: 347 ] تزدادوا حبا، بدل تحابوا، وعند القضاعي: فإن الهدية تذهب بالضغائن، ويروى عن أنس بلفظ: تهادوا، فإن الهدية تذهب بالسخيمة... الحديث، وعند الطبراني قبل السخيمة: وتورث المودة في الله... الحديث، وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا- الطيالسي، وابن عدي، وحديث عائشة أخرجه أيضا- الحربي في الهدايا، والعسكري في الأمثال، وفي الباب عن عبد الله بن عمر، رواه الحاكم في علوم الحديث، وعن أم حكيم بنت وداع، رواه أبو يعلى، والطبراني في الكبير، والديلمي، والبيهقي في الشعب، وعن ابن عمر، رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب، وعن عطاء الخراساني، رفعه مرسلا، رواه مالك في آخر الموطإ، وألفاظ الكل مختلفة، وقد أشرنا إلى بعضها، والله الموفق .

(تنبيه)

أمرنا بدوام المهاداة ندبا; لتتزايد المحبة بين المؤمنين، فإن الشيء متى لم يزدد دخله النقصان على مر الزمان، ويحتمل ازدياد الحب عند الله تعالى، لمحبتهم بعضهم بعضا بقرينة خبر: إن المتحابين في الله على منابر من نور. والله أعلم .




الخدمات العلمية