الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الورد الرابع : ما بين الزوال إلى الفراغ من صلاة الظهر وراتبته وهذا أقصر أوراد النهار وأفضلها فإذا كان قد توضأ قبل الزوال وحضر المسجد فمهما زالت الشمس وابتدأ المؤذن الأذان فليصبر إلى الفراغ من جواب أذانه ، ثم ليقم إلى إحياء ما بين الأذان والإقامة فهو وقت الإظهار الذي أراده الله تعالى بقوله وحين تظهرون وليصل في هذا الوقت أربع ركعات لا يفصل بينهن بتسليمة واحدة وهذه الصلاة وحدها من بين سائر صلوات النهار نقل بعض العلماء أنه يصليها ، بتسليمة واحدة ، ولكن طعن في تلك الرواية ومذهب الشافعي رضي الله عنه أنه يصلي مثنى مثنى كسائر النوافل ويفصل بتسليمة وهو الذي صحت به الأخبار

التالي السابق


( الورد الرابع: ما بين الزوال إلى الفراغ من صلاة الظهر وراتبته) أي: سنته ( وهو أقصر أوراد النهار) لقصر وقتها ( وأفضلها) لفضيلة العمل فيها ( فإذا كان قد توضأ) وتهيأ ( قبل الزوال وحضر المسجد) فليفطن لأول الوقت ( فمهما زالت الشمس) وذهب وقت الكراهة بالاستواء شرع في صلاة الزوال ( و) إن ( ابتدأ المؤذن بالأذان) بأن سبقه في معرفة الوقت ( فليصبر إلى الفراغ من جوابه أذانه، ثم ليقم إلى) صلاة الزوال قبل الظهر، فيحتاج إلى مراعاتها في أول الأوقات، وليتق الصلاة عند استواء الشمس في كبد السماء، وهو قبل زوالها عند تقلص الظل، وقيام كل ظل تحته، فإذا زال الظل فقد زالت الشمس، وقد يخفى استواؤها في الشتاء لقصر الوقت، ولعدول الشمس في سيرها عن وسط الفلك، فيقطع عرضا، فيكون أقرب لغروبها، وهو آخر الورد الثالث، وإنما فيه ورد القراءة والتسبيح والتفكير، وهذا أحد الأوقات الخمسة التي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة فيها، وتقدم تفصيل ذلك في كتاب الصلاة، وكذا معرفة الأزولة الخمسة .

قال صاحب القوت: وأحب له ( إحياء ما بين الأذان والإقامة بالركوع [ ص: 145 ] فإنها ساعة يستجاب فيها الدعاء، وتفتح فيها أبواب السماء، وتزكو فيها الأعمال، وأفضل أوقات النهار أوقات الفرائض ( فهو وقت الإظهار الذي أراد الله تعالى بقوله: وعشيا ( وحين تظهرون ) ولفظ القوت: وهذا الورد هو الإظهار الذي ذكر الله الحمد فيه، فقال تعالى: وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون .

( فليصل في هذا الوقت أربع ركعات لا يفصل بينهن بتسليمة) وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وبذلك وردت الآثار، وقد جعلها المصنف مستثناة من صلوات النهار، فقال: ( هذه الصلاة وحدها من بين سائر صلوات النهار، ونقل أنها تصلى بتسليمة واحدة، هكذا نقله بعض العلماء) وكأنه يريد صاحب القوت؛ فإنه نقله هكذا. وقال صاحب العوارف: ويصلي في أول الزوال قبل السنة والفرض أربع ركعات بتسليمة واحدة، كان يصليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ .

وإليه الإشارة بما رواه مسلم، عن عائشة: "كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا" بل روى الشيخان: "كان لا يدع أربعا قبل الظهر" وهذا نص في تأكد الأربعة، فقيل: إن المراد بذلك هي صلاة الزوال .

( ولكن طعن في تلك الرواية) التي يقول فيها: إنها أربع ركعات موصولة ( ومذهب الشافعي -رضي الله عنه- أنه يفصل بتسليم) وفي نسخة: أنه يصلي مثنى كسائر النوافل ( وهو الذي صحت به الأخبار) من ذلك ما رواه البخاري والترمذي من حديث ابن عمر: "كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين" الحديث .

والأفضل في صلاة النهار عند الشافعي: أن يسلم منها من كل ركعتين، وأجابوا عن "صلاة الليل مثنى مثنى" بأنه محمول على أن الليل أولى بذلك وأفضل لا أنه خاص به .



* ( تنبيه) *

الحديث الذي أشار إليه المصنف بأن في رواته من طعن فيه، وهو حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- رفعه: "أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء" رواه أبو داود، والترمذي في الشمائل، وابن ماجه، وابن خزيمة في الصلاة عنه، وفيه عبيدة بن مصعب الكوفي، ضعفه أبو داود، وقال المنذري: لا يحتج بحديثه، وقال يحيى القطان وغيره: الحديث ضعيف، وقال في موضع آخر: في إسناد أبي داود احتمال للتحسين .

قلت: والحافظ السيوطي رمز لصحته، ولكن في الميزان: ضعفه أبو حاتم، والنسائي، وفي مسند الترمذي: قرثع الضبي ذكره ابن حبان في الضعفاء .

وروى البزار نحوه من حديث ثوبان "أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يستحب أن يصلي بعد نصف النهار، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: أراك تستحب الصلاة في هذه الساعة، فقال: تفتح فيها أبواب السماء، وينظر الله إلى خلقه بالرحمة، وهي صلاة كان يحافظ عليها آدم ونوح وإبراهيم وعيسى وموسى صلى الله عليهم وسلم".

وروى الترمذي من حديث عبد الله بن السائب: "أربع قبل الظهر وبعد الزوال تحتسب بمثلهن في السحر، وما من شيء إلا وهو يسبح الله تعالى تلك الساعة، ثم قرأ يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون أي: صاغرون، قال ابن حجر في شرح الشمائل: وهذه الأربع ورد مستقل، سببه انتصاف النهار وزوال الشمس؛ لأن انتصافه مقابل لانتصاف الليل، وبعد زوالها تفتح أبواب السماء، وهو نظير النزول الإلهي المنزه عن الحركة والانتقال وسائر سمات الحدوث؛ إذ كل منهما وقت قربة ورحمة .




الخدمات العلمية