الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثامن : أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثا قال ابن مسعود: كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا وينبغي أن لا يستبطئ الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم : " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، فيقول قد : دعوت فلم يستجب لي فإذا دعوت فاسأل الله كثيرا؛ فإنك تدعو كريما. وقال بعضهم : إني أسأل الله عز وجل منذ عشرين سنة حاجة وما أجابني ، وأنا أرجو الإجابة سألت الله تعالى أن يوفقني لترك ما لا يعنيني .

وقال صلى الله عليه وسلم : " إذا سأل أحدكم ربه مسألة فتعرف الإجابة فليقل : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ومن أبطأ عنه من ذلك فليقل : الحمد لله على كل حال .

التالي السابق


( الثامن: أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثا) قال العراقي: رواه مسلم، وأصله متفق عليه. اهـ .

والإلحاح في الدعاء مما يفتح باب الإجابة، ويدل على إقبال القلب، ويحصل بتكراره مرتين وثلاثا وأكثر، لكن الاقتصار على الثلاث مرات أعدل؛ اتباعا للحديث .

( وينبغي أن لا يستبطئ الإجابة) أي: لا يستعجل ولا يضجر من تأخير الإجابة، كمن له حق على غيره؛ إذ ليس لأحد على الله حق، وأيضا فقد تكون المصلحة في التأخير، وأيضا فالدعاء عبادة واستكانة، والضجر والاستعجال ينافيها .

ثم إن المصنف قد أدرج هذا الأدب في خلال الأدب الثامن، وهو يصلح أن يعد مستقلا، كما فعله الحليمي والطرطوشي والزركشي، ثم استدل المصنف على ما ذكره بقوله: ( لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: دعوت فلم يستجب لي" وقوله: "فيقول" هو منصوب على جواب النفي، أجريت لم حيث كان معناها النفي مجراها في قولهم: ما أنت بصاحبي ما أنصرك، قاله الزركشي. قال العراقي: متفق عليه من حديث أبي هريرة. اهـ .

قلت: ورواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وفي رواية لمسلم: "قيل: يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت فلم يستجب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء".

وذكر مكي أن المدة بين دعاء زكريا -عليه السلام- بطلب الولد والبشارة أربعون سنة، وتقدم أن دعاء يعقوب -عليه السلام- في استغفاره لبنيه أجيب به بعد أربعين سنة .

قال الزركشي: ومثل ذلك نقل ابن عطية، عن ابن جريج، ومحمد بن علي، والضحاك: "أن دعوة موسى -عليه السلام- على فرعون لم تظهر إجابتها إلا بعد أربعين سنة".

وقال ابن هبيرة من حديث أنس: "قنت النبي -صلى الله عليه وسلم- شهرا يدعو على رعل وذكوان".

[ ص: 40 ] فيه من الفقه أنه لا يجوز للإنسان أن يستبطئ الإجابة، ويقول: دعوت فما أجبت، بل يدوم على الدعاء .

وفي الصحيحين: أن الله تعالى يقول:"أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني" في مسند بقي بن مخلد من حديث أبي هريرة مرفوعا: "اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات الله؛ فإن لله نفحات يصيب بها من يشاء من عباده".

( فإذا دعوت فاسأل الله كثيرا؛ فإنك تدعو كريما" جوادا عظيما، لا"أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني" و يخيب سائليه، ولا يحرم مستعطيه ( وقال بعضهم: إني أسأل الله منذ عشرين سنة حاجة وما أجابني، وأنا أرجو الإجابة) طمعا في فضله ( سألت الله أن يوفقني لترك ما لا يعنيني) وهذه هي الحاجة التي سألها ربه عز وجل .

رواه ابن مسدي في مسلسلاته في آخر الجزء الخامس منها، قال: أخبرنا أبو القاسم بن بقي، قال: كتب إلي أبو الحسن بن شريح، أنبأنا أبو محمد بن علي بن أحمد بن سعيد الحافظ، أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد الحبسودي، أخبرنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا سفيان وغيره عن مورق العجلي قال: "سألت ربي -عز وجل- مسألة عشر سنين فما أعطانيها، وما يئست منها وما تركت الدعاء بها، فسئل عن ذلك فقال: سألته ترك ما لا يعنيني" اهـ .

وقال بعض السلف: "لأنا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة؛ وذلك لأن الله تعالى يقول: ادعوني أستجب لكم فقد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، وهو لا يخلف الميعاد" .

وكان بعض السلف يقول: "لا تستبطئن الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي، فكم من مستغفر ممقوت ومن ساكت مرحوم!" .

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سأل أحدكم ربه مسألة) مصدر ميمي، أي: طلب منه شيئا ( فتعرف الإجابة) أي: تطلبها متى عرف حصولها بأن ظهرت أماراتها ( فليقل: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات) أي: تكمل النعم الحسان ( ومن أبطأ عليه في ذلك شيء فليقل: الحمد لله على كل حال) فإن أحوال المؤمن كلها خير، وقضاء الله له بالسراء والضراء رحمة ونعمة، ولو انكشف له الغطاء لفرح بالضراء أكثر من السراء، وهو أعلم بمصالح عباده" .

قال العراقي: رواه البيهقي في الدعوات من حديث أبي هريرة، وللحاكم نحوه من حديث عائشة مختصرا بإسناد ضعيف. اهـ .

قلت: وروى البيهقي في الأسماء والصفات من حديث حبيب بن أبي ثابت قال: حدثنا شيخ لنا "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جاءه شيء يكرهه قال: الحمد لله على كل حال، وإذا جاءه شيء يعجبه قال: الحمد لله المنعم المتفضل الذي بنعمته تتم الصالحات".




الخدمات العلمية