الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ونهى أيضا أن يبيع حاضر لباد .

وهو : أن يقدم البدوي البلد ، ومعه قوت يريد أن يتسارع إلى بيعه ، فيقول له الحضري : اتركه عندي حتى أغالي في ثمنه وأنتظر ارتفاع سعره وهذا في القوت محرم ، وفي سائر السلع خلاف والأظهر : تحريمه ; لعموم النهي ولأنه تأخير للتضييق على الناس على الجملة من غير فائدة للفضولي المضيق

التالي السابق


(ونهى) صلى الله عليه وسلم (أيضا أن يبيع حاضر لباد) . قال العراقي: متفق عليه من حديث ابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، اهـ .

قلت: أما لفظ حديث ابن عباس عند الشيخين: لا تلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد. فقيل لابن عباس، ما قوله لا يبع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسارا. وهكذا رواه أحمد أيضا .

وأما لفظ حديث أبي هريرة عندهما: لا يبع حاضر لباد، ولا تناجشوا. الحديث. وكذلك رواه عبد الرزاق، [ ص: 493 ] والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

وأما لفظ حديث أنس، عند أبي داود، والنسائي، وأبي يعلى: لا يبع حاضر لباد، وإن كان أخاه أو أباه. وقد روي ذلك عن جماعة من الصحابة، فعند الطبراني في الكبير من حديث ابن عمر: لا يبع حاضر لباد، ولا يشتري له. رواه الشيخان، والنسائي، مقتصرين على الجملة الأولى، وعنده أيضا: لا يبع حاضر لباد، ولا تستقبلوا الجلب. ورواه الشافعي، والبيهقي، مما حدثه: لا يبع حاضر لباد. وعند الطبراني في الكبير، وأحمد من حديث سمرة: لا يبع حاضر لباد. ورواه كذلك الطحاوي، من حديث أبي سعيد، وفي حديث جابر: لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، ويروى لجابر أيضا: نهينا أن يبيع حاضر لباد، وإن كان أخاه لأبيه وأمه. رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.

(وهو: أن يقدم البدوي) من البادية (البلد، ومعه قوت يريد أن يتسارع) أي: يستعجل (إلى بيعه، فيقول له الحضري: اتركه عندي حتى أغالي في ثمنه وأنتظر الارتفاع) . وهذا هو المفهوم من قول ابن عباس، لما سئل عنه، فقال: لا يكون له سمسارا، ومثله لأصحابنا، ففي شرح المختار، هو: أن يجلب البادي السلعة، فيأخذها الحاضر، ليبيعها له بعد وقت، بأغلى من السعر الموجود وقت الجلب .

فإن قلت: إن بين هذا الحديث وبين الذي تقدم، وهو النهي عن تلقي الركبان، نوع معارضة; لأن هذا الحديث اقتضى عدم الاستقصاء للجالب، وحديث التلقي يقتضي الاستقصاء له، قلت: الأحكام مبنية على المصالح، ومنها تقديم مصلحة الجماعة على الواحد، فكما روعي هناك مصلحة الجالب، روعي ههنا مصلحة أهل الحضر على مصلحة الواحد، وهو الجالب، فالحديثان متماثلان، متعارضان، قاله المناوي.

(وهذا في القوت محرم، وفي سائر السلع خلاف) في المذهب (والأظهر: تحريمه; لعموم النهي) الوارد فيه; (ولأنه تأخير للتضييق على الناس من غير فائدة للفضولي المضيق) .

وقال أصحابنا: هذا إذا كان أهل البلدة في قحط وعوز، وهو أهل يبيع من أهل البلد، وطمعا في الثمن الغالي; لما فيه من الإضرار بهم، وأما إذا لم يكن كذلك فلا بأس به; لانعدام الضرر .




الخدمات العلمية