الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الثاني : ترويج الزيف من الدراهم ، في أثناء النقد فهو ظلم إذ يستضر به المعامل إن لم يعرف وإن عرف فسيروجه على غيره فكذلك ، الثالث والرابع، ولا يزال يتردد في الأيدي ويعمم ، الضرر ، ويتسع الفساد ، ويكون وزر الكل ووباله راجعا عليه ، فإنه هو الذي فتح هذا الباب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه وزرها ومثل وزر ، من عمل بها لا ، ينقص من أوزارهم شيئا .

وقال بعضهم إنفاق درهم زيف أشد من سرقة مائة درهم ; لأن السرقة معصية واحدة ، وقد تمت ، وانقطعت ، وإنفاق الزيف بدعة أظهرها في الدين وسنة ، سيئة يعمل بها من بعده فيكون عليه وزرها بعد موته ، إلى مائة سنة ، أو مائتي سنة ، إلى أن يفنى ذلك الدرهم ويكون عليه ما فسد ، من أموال الناس بسنته وطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه ، والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة ، سنة ومائتي سنة أو أكثر يعذب بها في قبره ويسئل ، عنها ، إلى آخر انقراضها ، وقال تعالى: ونكتب ما قدموا وآثارهم أي نكتب أيضا ما أخروه من آثار أعمالهم ، كما نكتب ما قدموه وفي مثله قوله تعالى : ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر وإنما أخر آثار أعماله من سنة سيئة عمل بها غيره .

وليعلم أن في الزيف خمسة أمور .

الأول أنه : إذا رد عليه شيء منه فينبغي أن يطرحه في بئر بحيث لا تمتد إليه اليد وإياه أن يروجه في بيع آخر .

وإن أفسده بحيث لا يمكن التعامل به جاز .

التالي السابق


(النوع الثاني: ترويج الزيف من الدراهم، في أثناء النقد) يقال: راجت الدراهم روجا، تعامل الناس بها، وروجتها ترويجا، وزافت، تزيف، زيفا، صارت رديئة، ثم وصف بالمصدر، فقيل: درهم زيف، وجمع على معنى الاسمية، فقيل: زيوف، مثل فلس، وفلوس، وربما قيل: زائف، على الأصل، ودراهم زيف، مثل راكع، وركع، وزيفتها تزييفا: أظهرت زيفها، وسيأتي قريبا في كلام المصنف تعريف الزيف بأبسط منها، ونقد الدراهم اعتبارها ليتميز جيدها من زيفها (فهو ظلم) وعدوان; (إذ يستضر به العامل إن لم يعرف) ذلك (وإن عرف فيروجه على غيره، وكذلك الثالث) يروجه على غيره (و) كذلك (الرابع) وهلم جرا (فلا يزال) ذلك الدرهم (يتردد في الأيدي، [ ص: 481 ] ويعم الضرر، ويتسع الفساد، ويكون وزر الكل وبالا له، وراجعا إليه، فإنه الذي فتح ذلك الباب) أولا .

وفي القوت: إنفاق الدرهم الرديء على من يعرف النقد أشد، وأغلظ، وعلى من لا يعرفه أسهل، ويكون به أعذر; لأن هذا لا يعتمد الغش، والأول يقصده (وقال صلى الله عليه وسلم: من سن سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيئا) . هكذا هو في القوت، وقال العراقي: رواه مسلم، عن جرير بن عبد الله، اهـ .

قلت: وتقدم الكلام عليه في خطبة الكتاب، وقد رواه ابن ماجه، والطبراني في الأوسط، من حديث أبي جحيفة، بلفظ: من سن سنة حسنة عمل بها بعده، كان له أجره، ومثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن سن سنة سيئة فعمل بها بعده، كان عليه وزرها، ومثل أوزارهم، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا. فسياق هذا الحديث هو بعينه ما أورده المصنف، بخلاف حديث جرير، ففي لفظه نوع مخالفة .

(وقال بعضهم) وهو أبو الحسن علي بن سالم البصري، شيخ صاحب القوت: (إنفاق درهم زيف أشد من سرقة مائة درهم; لأن السرقة) ولفظ القوت: لأن سرقة مائة درهم (معصية واحدة، وقد تمت، وانقطعت، وإنفاق الزيف) ولفظ القوت: وإنفاق دانق واحد مزيف (بدعة أظهرها) وفي القوت: أحدثها (في الدين، و) إظهار (سنة سيئة يعمل بها من بعده) وإفساد لأموال المسلمين (فيكون عليه وزرها بعد موته، إلى مائة سنة، أو مائتي سنة، إلى أن يفنى ذلك الدرهم) ولفظ القوت: ما بقي ذلك الدرهم يدور في أيدي الناس (ويكون عليه) إثم (ما فسد، ونقص) ولفظ القوت: ما نقص، وأفسد (من أموال الناس) وفي القوت: من أموال المسلمين (بسببه) إلى آخر فنائه، وانقضائه (فطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه، والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة، ومائتين سنة) ولفظ القوت: بعد مائة سنة (يعذب بها في قبره، ويسأل عنها، إلى آخر انقراضها، وقال تعالى) في كتابه العزيز: ( ونكتب ما قدموا وآثارهم أي) : نكتب ما قدموا من أعمالهم (ونكتب أيضا ما أخروه من آثار أعمالهم، كما نكتب ما قدموه) ولفظ القوت: أي: ما سنوه لمن بعدهم فعمل به .

(وفي مثله قوله تعالى: ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر وإنما أخر آثار أعماله من سنة سيئة عمل بها غيره) ولفظ القوت: قيل: بما قدم من عمل، وما أخر من سيئة عمل بها بعده .

(ويعمل في الزيف خمسة أمور، الأول: إذا رد عليه شيء منه فينبغي) أن يقبله على بصيرة، وعن سماحة، ويحتسب بذلك الثواب من الله تعالى، فله بذلك من الأجر بوزن كل ذرة بيع آخر، وكل ذرة منها حسنة، وإذا أمكن (أن يطرحه في البئر) أو موضع آخر (بحيث لا تمتد إليه اليد) فله في طرحه أعمال كثيرة، ونيات حسنة، وذلك أفضل له من أن يتصدق بأمثاله جيدا، وخير له من كثير من الصلاة، والصوم (وإن أفسده) بأن كسره (بحيث لا يمكن التعامل به جاز) له ذلك، وهذا أرقى المقامين; لأن في طرحه في البئر، أو الموضع المهجور، لا يؤمن من إخراجه ثانيا، ولو بعد زمان، فترتب السيئة بذمته .




الخدمات العلمية