الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم مهما انعقد فالعامل وكيل فيتصرف بالغبطة تصرف الوكلاء

التالي السابق


ثم أشار المصنف إلى حكم القراض الصحيح، وله خمسة أحكام، أشار إلى الحكم الأول، بقوله: (ثم مهما انعقد فالعامل) في مال القراض (وكيل) أي: كالوكيل (فيتصرف بالغبطة) والمصلحة (تصرف الوكلاء) فلا يتصرف بالغبن، ولا بالنسيئة، بيعا وشراء، إلا بإذن، خلافا لأبي حنيفة، كذا في الوجيز .

وبيانه: أن الغبطة والمصلحة قد تقتضي التسوية بين العامل والوكيل، وقد تقتضي الفرق بينهما، فلا يبيع العامل ولا يشتري بالغبن، كالوكيل بلا فرق، ولا يبيع نسيئة بلا إذن، ولا يشترى أيضا; لأنه ربما يهلك رأس المال، فتبقى العهدة متعلقة بالعامل، فإن أذن له بالبيع نسيئة ففعل وجب عليه الإشهاد، ويضمن لو تركه، ولا يحتاج إلى الإشهاد في البيع حالا; لإمكانه حبس المبيع إلى استيفاء الثمن، بل عليه ذلك، حتى لو سلم قبل استيفاء الثمن ضمن كالوكيل، فإن أذن المالك في تسليم المبيع قبل قبض الثمن سلمه، ولا يلزم الإشهاد، ولا ضمان عليه، كالوكيل .

ثم قال في الوجيز: ويبيع بالعرض، فإنه التجارة، ولكل واحد منهما الرد بالعيب، فإن تنازعا فيقدم جانب الغبطة، ولا يعامل العامل المالك .

ولا يشتري بمال القراض بأكثر من رأس المال، فإن اشترى لم يقع للقراض، وانصرف إليه إن أمكن .

ولو اشترى من يعتق على المالك لم يقع عن المالك، فإنه نقيض التجارة .

ولو اشترى زوجة المالك، فوجهان .

والوكيل بشراء عبد مطلق إن اشترى من يعتق على الموكل فيه وجهان .

والعبد المأذون إن قيل له: اشتر عبدا، فهو كالوكيل، وإن قيل: اتجر فهو كالعامل، وفيه وجه أنه كالوكيل أيضا، وبه قال أبو حنيفة .

وإن اشترى العامل قريب نفسه، ولا ربح في المال، صح، فإن ارتفعت الأسواق، وظهر ربح، وقلنا: لا يملك بالظهور، عتق حصته، ولم يسر، وفيه وجه أنه يسري، وبه قال الأكثرون، وإن كان في المال ربح، وقلنا: لا يملك بالظهور، صح، وما عتق وإن قلنا يملك، ففي الصحة وجهان; لأنه مخالف للتجارة، فإن صح عتق حصته وسرى إلى نصيب المالك; لأنه في الشراء مختار، وغرم له حصته، هذا الذي ذكرناه يتعلق بالحكم الأول من أحكام القراض الصحيح .

الحكم الثاني: أنه ليس لعامل القراض أن يقارض عاملا آخر بغير إذن المالك، وفي صحته بالإذن خلاف، فإن فعل بغير الإذن، وكثرت التصرفات، والربح، فعلى الجديد: الربح كله للعامل الأول، ولا شيء للمالك، وللعامل الثاني أجر مثله على العامل الأول; إذ الربح على الجديد للغاصب، والعامل الأول هو الغاصب، الذي عقد العقد له، وقيل كله للعامل الثاني، فإنه الغاصب، وعلى القديم: يتبع موجب الشرط للمصلحة، وعسر إبطال التصرفات، فللمالك نصف الربح، والنصف الآخر بين العاملين نصفين، كما شرط، وهل يرجع العامل الثاني بنصف أجر مثله؟ لأنه كان طمع في كل النصف من الربح، ولم يسلم له، فيه وجهان، أظهرهما: أنه لا يرجع .

[ ص: 471 ] الحكم الثالث من أحكام القراض الصحيح: أنه ليس للعامل أن يسافر بمال القراض إلا بإذن، وهذا قد تأتي الإشارة إليه في سياق المصنف قريبا .

الحكم الرابع: اختلف القول في أنه هل يملك الربح بمجرد الظهور أم يقف على المقاسمة؟ وهذا أيضا قد تأتي الإشارة إليه قريبا في سياق المصنف .

الحكم الخامس: الزيادة العينية، كالثمرة، والنتاج، محسوب من الربح، وهو مال القراض، وكذا بدل منافع الدواب، ومهر وطء الجواري، حتى لو وطئ السيد كان مستردا مقدار العقر. وأما النصفان فما يحصل بانخفاض سوق، أو طريان عيب، ومرض، فهو خسران، يجب جبره بالربح. وما يقع باحتراق، وسرقة، وفوات عين، فوجهان، أصحهما: أنه من الخسران، كما أن زيادة العين من الربح، والله أعلم .




الخدمات العلمية