الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويقال : إن أحمد رحمه الله تزوج في اليوم الثاني لوفاة أم ولده عبد الله وقال : أكره أن أبيت عزبا .

وأما بشر فإنه لما قيل له : إن الناس يتكلمون فيك لتركك النكاح ويقولون : هو تارك للسنة فقال قولوا . : لهم هو مشغول بالفرض عن السنة .

وعوتب مرة أخرى فقال : ما يمنعني من التزويج إلا قوله تعالى : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف فذكر ذلك لأحمد فقال وأين : مثل بشر إنه قعد على مثل حد السنان .

ومع ذلك فقد روي أنه رؤي في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : رفعت منازلي في الجنة ، وأشرف بي على مقامات الأنبياء ولم أبلغ منازل المتأهلين .

وفي رواية قال لي ما كنت أحب أن تلقاني عزبا . قال : فقلنا له : ما فعل أبو نصر التمار ؟ فقال : رفع فوقي بسبعين درجة . قلنا : بماذا فقد كنا نراك فوقه ؟ قال : بصبره على بنياته والعيال .

وقال سفيان بن عيينة : كثرة النساء ليست من الدنيا لأن عليا رضي الله عنه كان أزهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان له أربع نسوة وسبع عشرة سرية .

فالنكاح سنة ماضية وخلق من أخلاق الأنبياء .

وقال رجل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله : طوبى لك فقد تفرغت للعبادة بالعزوبة ، فقال لروعة : منك بسبب العيال أفضل من جميع ما أنا فيه ، قال : فما الذي يمنعك من النكاح فقال: ما لي ؟ : حاجة في امرأة وما أريد أن أغر امرأة بنفسي .

وقد قيل : فضل المتأهل على العزب كفضل المجاهد على القاعد .

وركعة ، من متأهل أفضل من سبعين ركعة من عزب .

التالي السابق


(ويقال: إن أحمد رحمه الله تعالى تزوج في اليوم الثاني من وفاة أم ولده عبد الله وقال: أكره أن أبيت عزبا) نقله صاحب "القوت "، (وأما بشر فإنه) كان يحتج لنفسه بحجة (لما قيل له: إن الناس يتكلمون فيك) قال: وما عسى أن يقولوا ؟ قال: يتكلمون (بترك النكاح ويقولون: هو تارك للسنة. قال: قل لهم هو مشغول بالفرض عن السنة) . نقله صاحب القوت (وعوتب) بشر (مرة أخرى) في ترك التزويج (فقال: ما يمنعني من التزويج إلا) حرف في كتاب الله عز وجل (قوله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن ) ولعلي لا أقوم بذلك. قال: (ذكر ذلك [ ص: 290 ] لأحمد فقال: وأنى مثل بشر) ، ولفظ " القوت ": وأينا مثل بشر (إنه قعد على) مثل (حد السنان) ، وكان بشر يقول: وكنت أعول دجاجة خفت أن أكون جلادا على الجسر .

قال صاحب "القوت ": هذا يقوله في سنة عشرين ومائتين والحلال أوجد والنساء يومئذ أحمد عاقبة فكيف بوقتنا هذا ؟ (ومع ذلك فقد روي أنه) أي: بشرا، (رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك ؟ فقال: رفعت منازل في الجنة، وأشرف بي على مقامات الأنبياء ولم أبلغ منازل المتأهلين) أي: المتزوجين .

قال صاحب "القوت ": (و) عندنا (في رواية) أخرى (قال) : وعاتبني ربي وقال (لي) : يا بشر (وما كنت أحب أن تلقاني عزبا. قال: فقلنا له: ما فعل أبو نصر التمار ؟) وهو الهلالي الراوي عن رجاء بن حيوة وكان من العباد (فقال: رفع فوقي سبعين درجة. قلنا: بماذا فقد كنا نراك فوقه ؟ قال: بصبره على بنياته والعيال) وبنيات تصغير بنات، وذكر العيال بعدهن من باب ذكر العام بعد الخاص .

(وقال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: كثرة النساء ليست من الدنيا لأن عليا -رضي الله عنه- كان أزهد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان له أربع نسوة وسبع عشرة سرية، فالنكاح سنة ماضية وخلق من أخلاق الأنبياء) . نقله صاحب "القوت ": تزوج علي -رضي الله عنه- بعد وفاة فاطمة - رضي الله عنها - أسماء بنت عميس الخثعمية بوصية منها، وخولة بنت جعفر بن قيس من بني حنيفة، وأخرى من بني ثعلب، وأخرى من بني كلاب، وليلى بنت سعد من بني دارم، وأم سعيد بنت عروة بن مسعود من بني ثقيف، والباقيات سراري. وقال صاحب "القوت ": تزوج علي رضي الله عنه بعشرة نسوة، وتوفي عن أربع، وكان قد تزوج أمامة بنت زينب ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصته فاطمة رضي الله عنها عند موتها بذلك، ويقال: إنه نكح بعد وفاة فاطمة بسبع ليال، وكان بعض أمراء السلف إذا بلغه عنه كثرة نكاحه يقول: لست بنكحة ولا طلقة يعرض له بذلك .

(وقال رجل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: طوبى لك) يا أبا إسحاق، (فقد تفرغت للعبادة بالعزوبة، فقال: لدعوة منك بسبب العيال) أي: بسبب قيامك عليهم وهمك لهم، (أفضل من جميع ما أنا فيه، قال: فما الذي يمنعك من النكاح ؟ قال: ما لي حاجة إلى امرأة وما أريد أن أغر امرأة بنفسي) كذا في "القوت " والرجل المذكور هو بقية بن الوليد.

قال أبو نعيم في " الحلية ": حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن أيوب، حدثنا عبد الله بن الصقر، حدثنا أبو إبراهيم الترجماني، حدثنا بقية بن الوليد قال: لقيت إبراهيم بن أدهم بالساحل، فقلت له: ما شأنك لا تتزوج ؟ قال: ما تقول في رجل غر امرأة وجوعها ؟ قلت: ما ينبغي هذا. قال: فأتزوج امرأة تطلب ما تطلب النساء لا حاجة لي في النساء. قال فجعلت أثني عليه فقطعني، فقال: لك عيال ؟ قلت: نعم. قال: روعة تروعك عيالك أفضل مما أنا فيه .

وروي أيضا من طريق إسماعيل بن عبد الله الشافعي قال: سمعت بقية بن الوليد قال: صحبت إبراهيم بن أدهم في بعض كور الشام وهو يمشي ومعه رفيقه... فذكر الحديث وفيه فقال إبراهيم: يا بقية لك عيال ؟ قلت: إي والله يا أبا إسحاق إن لنا عيالا. قال: فكأنه لم يعبأ به، فلما رأى ما بوجهي قال: ولعل روعة صاحب العيال أفضل مما نحن فيه. اهـ .

(وقد قيل: إن فضل المتأهل على العزب كفضل المجاهد) في سبيل الله (على القاعد، و) إن (ركعتين من متأهل أفضل من سبعين ركعة من عزب) كذا نقله صاحب "القوت " وهذه الأفضلية لأن المتأهل بسبب همه على العيال في جهاد كبير، ولأنه يتفرغ لعبادة الله تعالى بقلب لا تعتريه وساوس الشهوة إذ قد أمن على نفسه منها، فعبادة مثل هذا أفضل من عبادة من همه شهوة نفسه، على أن القول الثاني قد روي مرفوعا نحوه من حديث أنس رفعه: " ركعتان من المتزوج أفضل من أربعين ركعة من الأعزب ". رواه العقيلي، ورواه تمام في فوائده، والضياء في المختارة بلفظ: " ركعتان من المتأهل خير من اثنتين وثمانين ركعة من العزب ".




الخدمات العلمية