الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
التاسع : أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل فلا يبدأ بالسؤال قال سلمة بن الأكوع " ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء إلا استفتحه بقول : سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب قال " أبو سليمان الداراني رحمه الله من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته ، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين ، وهو أكرم من أن يدع ما بينهما وروي في الخبر : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا سألتم الله عز وجل حاجة فابتدئوا بالصلاة علي ؛ فإن الله تعالى أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويرد الأخرى " رواه أبو طالب المكي .

التالي السابق


( التاسع: أن يفتتح الدعاء بذكر الله -عز وجل- ولا يبدأ بالسؤال) والمراد أن يبدأ أولا بما فيه الثناء على الله تعالى، ثم يسأل الحاجة، كما قال تعالى حاكيا عن يونس -عليه السلام-: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وعن إبراهيم -عليه السلام-: ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن إلى يوم يقوم الحساب وعنه: الذي خلقني فهو يهدين الآيات، وعن شعيب -عليه السلام-: وسع ربنا كل شيء علما إلى: وأنت خير الفاتحين وعن موسى -عليه السلام-: رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين وعن يوسف -عليه السلام-: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني الآية، وعن الملائكة -عليهم السلام-: ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا وقال: أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وفي السنن عن أبي هريرة: "كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم".

( وقال سلمة بن الأكوع) رضي الله عنه: ( "ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الدعاء إلا استفتحه فقال: سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب") قال العراقي: رواه أحمد، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. قال العراقي: فيه عمر بن راشد اليماني، ضعفه الجمهور. اهـ .

قلت: أورده صاحب القوت في الفصل الخامس من الباب الأول بلفظ: "كان إذا افتتح دعاء افتتحه بقوله" فذكره .

( وقال أبو سليمان) عبد الرحمن بن أحمد بن عطية ( الدراني) رحمه الله تعالى: ( من أراد أن يسأل الله -عز وجل- حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأله حاجته، ثم يختتم بالصلاة عليه؛ فإن الله -عز وجل- يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يدع) وفي رواية: يرد ( ما بينهما) أورده الجزولي في أول دلائله بلفظ: "فليكثر" بدل "فليبدأ" وقال الشارح: الفاء زائدة، أو متعلقة بمحذوف، أي: فليكثر اللهج بالصلاة، ونحو ذلك، أو ضمن يكثر معنى يلهج ونحوه .

وقال أيضا: في قوله: "من أن يدع" [ ص: 41 ] متعلقة بأفضل؛ لما تضمنه من معنى النزاهة، وليست الجارة للمفضول، بل هو متروك أبدا مع أفعل هذا لقصد التعميم. اهـ .

والمعنى: أن الكريم لا يناسبه أن يقبل الطرفين ويرد الوسط. وقال الزركشي: واستشكل بعض مشايخنا قول الداراني بأن قولنا: "اللهم صل على محمد" دعاد، والدعاء متوقف على القبول، وفيه نظر. اهـ .

قلت: ويروى عن الداراني أيضا بلفظ: "إذا أردت أن تسأل الله حاجة فصل على محمد، ثم سل حاجتك، ثم صل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- مقبولة، والله -عز وجل- أكرم من أن يرد ما بينهما" أخرجه النميري بالوجهين، كذا في القول البديع للحافظ السخاوي.

( وروي في الخبر: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا سألتم الله حاجة فابدأوا بالصلاة علي؛ فإن الله أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويرد الأخرى" رواه أبو طالب المكي) في القوت. وقال العراقي: لم أجده مرفوعا، وإنما هو موقوف على أبي الدرداء رضي الله عنه .

قلت: وهو وإن كان موقوفا فهو شاهد لقول الداراني، ومما يؤيده أيضا ما أخرجه أبو داود عن فضالة قال: "سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا يدعو في صلاته ولم يمجد الله، ولم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: عجل هذا، ثم دعاه فقال: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يدعو بما شاء" ورواه النسائي، وزاد: "فسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ادع تجب، وسل تعط".

ومما يدل على إجابة الدعاء بعد التحميد ما روي عن أنس قال: "جاءت أم سليم فقالت: يا رسول الله علمني كلمات أدعو بهن، فقال: تسبحين عشرا، وتحمدين عشرا، وتكبرين عشرا، ثم تسألين حاجتك، فإنه يقول: قد فعلت" رواه صاحب التبصرة .

وأخرجه الترمذي عن معاذ: "سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا يقول: يا ذا الجلال والإكرام، فقال: قد استجيب لك فسل" وفي المستدرك عن أبي أمامة رفعه: "إن لله ملكا موكلا بمن يقول: يا أرحم الراحمين، فمن قالها ثلاثا قال له الموكل: إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك، فسل" والمعنى فيه: أن ذكر الله بالثناء والتعظيم كالإكسير العظيم للنفس في تصفيتها وإشراقتها؛ حتى يكون الماهوب أقرب إليها؛ فلهذا قدم الثناء على الدعاء .




الخدمات العلمية