الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الخامس أن : غسل اليد في الطست لا بأس به وله أن يتنخم فيه إن أكل وحده ، وإن أكل مع غيره فلا ينبغي أن يفعل ذلك .

فإذا قدم الطست إليه غيره إكراما له فليقبله .

اجتمع أنس بن مالك وثابت البناني رضي الله عنهما على طعام فقدم أنس الطست إليه فامتنع ثابت فقال أنس : إذا أكرمك أخوك فاقبل كرامته ولا تردها ، فإنما يكرم الله عز وجل وروي أن هارون الرشيد دعا أبا معاوية الضرير فصب الرشيد على يده في الطست ، فلما فرغ قال : يا أبا معاوية ، تدري من صب على يدك ؟ فقال : لا . قال : صبه أمير المؤمنين . فقال يا أمير المؤمنين : إنما أكرمت العلم وأجللته فأجلك الله وأكرمك ، كما أجللت العلم وأهله .

التالي السابق


(الخامس: غسل اليد) بعد الفراغ من الطعام (في الطست) في المصباح، قال ابن قتيبة: أصلها طس، فأبدل من أحد الضعفين تاء لثقل اجتماع المثلين; لأنه يقال في الجمع: طساس كسهم وسهام، وفي التصغير طسيسة، وجمعت أيضا على طسوس باعتبار الأصل، وعلى طسوت باعتبار اللفظ الأول. قال ابن الأنباري: قال الفراء: كلام العرب طسه، وقد يقال: طس بغير هاء، فهي مؤنثة. وطيئ تقول: طست. كما قالوا في لص: لصق، ونقل عن بعضهم التذكير والتأنيث .

وقال الزجاج: التأنيث أكثر كلام العرب. وقال السجستاني: هي أعجمية معربة. وقال الأزهري: هي دخيلة في كلام العرب لأن التاء والطاء لا يجتمعان في كلمة عربية .

(لا بأس به) وإن كان في قصعة أو إناء من خزف فهو أقرب إلى السنة (وله أن يتنخم فيه) عند غسل يده وفمه، والنخامة ما كان من الحلق (إن أكل وحده، وإن أكل مع غيره فلا ينبغي أن يفعل ذلك) ، فربما يستقذره أخوه، وهو مخالف للأدب، وإن بزق فيه بعد أن يفرغ الجماعة ورفع الطست لا بأس به .

(فإذا قدم الطست إلى غيره إكراما فليقبله) ولا يرده، فقد روي أنه (اجتمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (وثابت) أبو محمد (البناني) التابعي -رحمه الله تعالى - (على طعام فقدم أنس الطست إليه فامتنع ثابت) من تقدمه في غسل اليد كأنه استحيا مع حضور شيخه أنس (فقال أنس: إذا أكرمك أخوك فاقبل كرامته ولا تردها، فإنما تكرم الله عز وجل) نقله صاحب "القوت " ولفظه: فإنه إنما يكرم الله عز وجل .

قلت: ومعنى ذلك رواه الطبراني في الأوسط من حديث جابر: " من أكرم امرأ مسلما فإنما يكرم الله تعالى ". وسنده ضعيف، وفي بعض ألفاظه: " قد أكرم أخاه المؤمن " (وروي أن هارون الرشيد) العباسي (دعا أبا معاوية الضرير) هو محمد بن حازم التميمي السعدي مولاهم، يقال: عمي وهو ابن أربع سنين، قال العجلي: كوفي ثقة. وقال يعقوب بن شيبة: كان من الثقات، وربما دلس. وقال النسائي : ثقة. وقال ابن خراش: صدوق. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان حافظا متقنا ولكنه كان مرجئا، ولد سنة ثلاث عشرة ومائة، ومات سنة أربع وتسعين ومائة، روى له الجماعة (فصب الرشيد على يده في الطست، فلما فرغ قال:) ولفظ " القوت ": قيل له: (يا أبا معاوية، تدري من صب على يدك ؟ فقال: لا. قال: صبه أمير المؤمنين. فقال:) يا أمير المؤمنين (إنما أكرمت العلم وأجللته) أي: عظمته (فأجلك الله وأكرمك، كما أجللت وأكرمت العلم وأهله) هكذا نقله صاحب "القوت "، ونقله كذلك صاحب العوارف إلا أنه قال: دعا أبا معاوية، وأمر أن يقدم له طعام، فلما أكل صب الرشيد الماء على يده في الطست. والباقي سواء .

ولم تزل سنة الملوك الماضين في إجلالهم، وحكى لي من أثق به من المغاربة: أن مولاي إسماعيل بن مولاي الشريف جد ملوك المغرب الآن دعا علماء عصره، وفيهم أبو الوفاء اليوسي، وقدم إليهم الطعام، فلما فرغوا صب على أيديهم الماء، فامتنع أبو الوفاء، فغضب في امتناعه لذلك .




الخدمات العلمية