الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إذا هاجت لا يقاومها عقل ولا دين وهي مع أنها صالحة لأن تكون باعثة على الحياتين كما سبق فهي أقوى آلة الشيطان على بني آدم وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله : ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب منكن .

وإنما ذلك لهيجان الشهوة وقال صلى الله عليه وسلم : " في دعائه : " اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي وشر منيي .

"
وقال " أسألك أن تطهر قلبي وتحفظ فرجي .

"
فما يستعيذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجوز التساهل فيه لغيره

التالي السابق


( وإذا هاجت) وثارت ( لا يقاومها عقل ولا دين) تتغير سمنته ويحمر وجهه، ويختلط لسانه، ويتلجلج في كلامه، ويضطرب جسمه، ويثور عليه الوساوس، ولا يعي شيئا، فلو رأى وجهه في تلك الحالة في مرآة لرآه عجبا، ( وهي مع أنها صالحة لأن تكون باعثة على تحصيل الخير كما سبق) بيانه، ( فهي أقوى آلة الشيطان على بني آدم) يسول على قلبه وعقله بتلك الآلة ( وإليه أشار بقوله -صلى الله عليه وسلم-: ما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب منكن) . قال العراقي : رواه مسلم من حديث ابن عمر ، واتفقا عليه من حديث أبي سعيد ولم يسق مسلم لفظه، اهـ .

قلت: وعند أبي داود من حديث ابن عمر : " أغلب لذي لب منكن "، وأما نقصان العقل فشهادة امرأتين شهادة رجل، وأما نقصان الدين فإن إحداكن تفطر رمضان وتقيم أياما لا تصلي. وفي الحلية من حديثه: " ما رأيت من ناقصات عقول ودين أسبى للب ذوي الألباب منكن ".

( وإنما ذلك لهيجان الشهوة) فيهن، فإن الله عز وجل ركب فيهن تسعة أعشار الشهوة .

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: " في دعائه: " اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي وشر منيي ") . قال العراقي تقدم في الدعوات .

قلت: رواه أبو داود والترمذي والحاكم من حديث شكل بن حميد العبسي مرفوعا: " اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي". وتقدم أن المراد منه من شر شدة الغلمة وسطوة الشهوة إلى الجماع الذي إذا أفرط ربما أوقع في الزنا أو مقدماته لا محالة فهو حقيق بالاستعاذة .

( وقال) صلى الله عليه وسلم: ( " أسألك أن تطهر قلبي وتحفظ فرجي ") قال العراقي : رواه البيهقي في الدعوات من حديث أم سلمة بإسنادين. اهـ. وفي كل من الحديثين إرشاد للأمة كيف يستعيذون وهم يستعيذون، وإلا فهو -صلى الله عليه وسلم- قد عصمه الله من سطوة الشهوة عليه، ويدل على ذلك حديث شكل فإنه عند الترمذي قال: يا رسول الله، علمني دعاء أستعيذ به فقال: " قل... " وساقه .

( فما يستعيذ منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف يجوز التساهل فيه لغيره) ، هذا إذا ثبت أنه من دعائه الذي كان يدعو به، وأما إذا علم غيره به فما يصدق عليه قول المصنف فما يستعيذ منه.. إلخ. فإنه قد يعلم غيره بحسب حاله الأمر هو فيه ما لا يليق لنفسه إلا من باب التجوز، فتأمل .




الخدمات العلمية