الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الكافر ، فتجوز معاملته لكن لا يباع منه المصحف ولا العبد المسلم ولا يباع منه السلاح إن كان من أهل الحرب فإن فعل فهي معاملات مردودة وهو عاص بها ربه .

وأما الجندية من الأتراك والتركمانية والعرب والأكراد والسراق والخونة وأكلة الربا والظلمة وكل من أكثر ماله حرام ، فلا ينبغي أن يتملك مما في أيديهم شيئا لأجل أنها ; حرام ، إلا إذا عرف شيئا بعينه ، أنه حلال وسيأتي تفصيل ذلك في كتاب الحلال والحرام .

التالي السابق


(وأما الكافر، فتجوز معاملته) ; لأن إسلام العاقد لا يشترط في صحة مطلق البيع والشراء (لكن لا يباع منه المصحف) أي: القرآن، ولا شيء من أخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلو اشترى ذلك، ففيه طريقان، وبه أجاب المصنف في الوجيز، طرد القولين، وأظهرهما: القطع بالبطلان، وإليه مال المصنف هنا .

قال العراقيون: والكتب التي فيها آثار السلف، كالمصحف في طرد الخلاف، وامتنع الماوردي في الحاوي من إلحاق كتب الحديث، والفقه، بالمصحف، وقال: إن بيعها منه صحيح لا محالة، وهل يؤمر بإزالة الملك عنها؟ فيه وجهان، قال النووي في زيادات الروضة: الخلاف في بيع المصحف، والفقه، إنما هو في صحة العقد، مع أنه حرام بلا خلاف .

(ولا العبد المسلم) لكن لو اشترى الكافر عبدا مسلما، ففي صحته قولان، أصحهما، وبه قال أحمد، وهو نصه في الإملاء: أنه لا يصح; لأن الرق ذل فلا يصح إثباته للكافر على المسلم، كما لا ينكح الكافر المسلمة. والثاني، وبه قال أبو حنيفة: أنه يصح; لأنه طريق من طرق الملك، فملك به الكافر رقبة المسلم، كالإرث، والقولان جاريان فيما لو وهب منه عبد مسلم، فقبل، أو وصى له بعبد مسلم، قال في التتمة: هذا إذا قلنا: الملك في الوصية يحصل بالقبول، فإن قلنا: يحصل بالموت، ثبت بلا خلاف، كالإرث، قال الرافعي: إن قلنا: لا يصح شراء الكافر العبد المسلم، فلو اشترى قريبه الذي يعتق عليه كأبيه، وابنه، ففيه وجهان، أحدهما: لا يصح أيضا; لما فيه من ثبوت الملك للكافر على المسلم، وأصحهما: الصحة; لأن الملك المستعقب للعتق، شاء المالك، أو أبى، ليس بإذلال، ألا ترى أن للمسلم شراء قريبه المسلم، ولو كان ذلك إذلالا لما جاز له إذلال أبيه، والخلاف جار في كل شيء يستعقب العتق، كما إذا قال الكافر لمسلم: أعتق عبدك المسلم عني، بعوض، أو بغير عوض، فأجابه إليه، وكما إذا أقر بحرية عبد مسلم، في يد غيره، ثم اشتراه .

ولو اشترى عبدا مسلما بشرط الإعتاق، وصححنا الشراء بهذا الشرط، فهو كما لو اشتراه مطلقا; لأن العتق لا يحصل عقب الشراء، وإنما يزول الملك بإزالته، ومنهم من جعله على وجهي شراء القريب .

(ولا يباع منه السلاح) أي: آلة الحرب (إن كان) الكافر (من أهل) دار (الحرب) ولم يكن تحت ذمة المسلمين (فإن فعل) شيئا مما ذكر (فهي معاملات مردودة) فاسدة، غير صحيحة (وهو عاص بها ربه) عز وجل، وقال الرافعي في آخر كتاب البيوع: ومن المنهيات بيع السلاح من أهل الحرب، وهو لا يصح; لأنه لا يراد إلا للقتال، فيكون بيعه منهم تقوية لهم على قتال المسلمين .

ويجوز بيع الحديد منهم; لأنه لا يتعين للسلاح. وقال النووي في الزيادات: قلت: بيع السلاح لأهل الذمة في دار الإسلام صحيح، وقيل: وجهان، حكاهما المتولي، والنووي، والروياني، اهـ .

وقال الرافعي أيضا: وكذا بيع السلاح من البغاة، وقطاع الطريق، مكروه، لكنه صحيح، قاله النووي، قلت: الأصح: التحريم، قاله الغزالي في الإحياء، والله أعلم .

(وأما الجندية من الأتراك والتركمانية) بالضم، جنس خاص من الأتراك (والعرب) الجاهلة (والأكراد) جيل من الناس، مختلف في نسبهم (والسراق) : وهم قطاع الطريق، النشالة، والخونة، محركة، جمع خائن (وأكلة الربا) : هم الذين يتعاملون بالربا في معاملاتهم، من التجار (والظلمة) الذين يظلمون الناس، فيأخذون أموالهم بغير وجه شرعي (وكل من أكثر ماله حرام، فلا ينبغي أن يتملك مما في أيديهم شيئا; لأنها حرام، إلا إذا عرف) ما يأخذه منهم (بعينه، أنه حلال) فيجوز له أخذ ذلك .

وقال الدارمي ، في آخر باب التخالف: يكره مبايعة من يرابي، أو يطفف، أو يأخذ ما ليس له، فإن فعل لم يبطل، إذا لم يتقين أن ما أخذه حرام، اهـ .

وقال الرافعي: ويكره مبايعة من اشتملت يده على الحلال والحرام، سواء كان الحلال أكثر، أو بالعكس، ولو بايعه، لم يحكم بالفساد، وعن مالك: إن مبايعة من أكثر ماله حرام باطل اهـ. (وسيأتي تفصيل ذلك في كتاب الحلال والحرام) قريبا بعد هذا الكتاب .




الخدمات العلمية