الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك التداوي .

قال المصنف رحمه الله : لا يختلف العلماء أن التداوي مباح وإنما رأى بعضهم أن العزيمة تركه . وقد ذكرنا كلام الناس في هذا وبينا بما اخترناه في كتابنا لقط المنافع في الطب . والمقصود ههنا أنا نقول إذا ثبت أن التداوي مباح بالإجماع مندوب إليه عند بعض العلماء فلا يلتفت إلى قول قوم قد رأوا أن التداوي خارج من التوكل لأن الإجماع على أنه لا يخرج من التوكل وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تداوى وأمر بالتداوي ولم يخرج بذلك من التوكل ولا أخرج من أمره أن يتداوى من التوكل . وفي الصحيح من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص إذا اشتكى المحرم عينه أن يضمدها بالصبر . قال ابن جرير الطبري وفي هذا الحديث دليل على فساد ما يقوله ذوو الغباوة من أهل التصوف والعباد من أن التوكل لا يصح لأحد عالج علة به في جسده بدواءإذ ذاك عندهم طلب العافية من غير من بيده العافية والضر والنفع . وفي إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم علاج عينه بالصبر لدفع المكروه أدل دليل على أن معنى التوكل غير ما قاله الذين ذكرنا قولهم . وإن ذلك غير مخرج فاعله من الرضا بقضاء الله كما أن من عرض له كلب الجوع لا يخرجه فزعه إلى الغذاء من التوكل والرضا بالقضاء لأن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء إلا الموت وجعل أسبابا لدفع الأدواء كما جعل الأكل سببا لدفع الجوع . وقد كان قادرا أن يحيي خلقه بغير هذا ولكنه خلقهم ذوي حاجة فلا يندفع عنهم أذى الجوع إلا بما جعل سببا لدفعه عنهم فكذا الداء العارض والله الهادي .

التالي السابق


الخدمات العلمية