الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[فصل]

: وقد لبس إبليس على كثير من الصوفية فمنعهم من النكاح فقدماؤهم تركوا ذلك تشاغلا بالتعبد ورأوا النكاح شاغلا عن طاعة الله عز وجل وهؤلاء وإن كانت بهم حاجة إلى النكاح أو بهم نوع تشوق إليه فقد خاطروا بأبدانهم وأديانهم وإن لم يكن بهم حاجة إليه فاتتهم الفضيلة . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر قالوا نعم قال وكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" ثم قال : "أفتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير" ومنهم من قال النكاح يوجب النفقة والكسب صعب . وهذه حجة للترفه عن تعب الكسب وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار أنفقته في الصدقة ودينار أنفقته على عيالك أفضلها الدينار الذي أنفقته على عيالك" ومنهم من قال النكاح يوجب الميل إلى الدنيا فروينا عن أبي سليمان الداراني أنه قال : إذا طلب الرجل الحديث أو سافر في طلب المعاش أو تزوج فقد ركن إلى الدنيا .

قال المصنف رحمه الله قلت : وهذا كله مخالف للشرع وكيف لا يطلب الحديث والملائكة تضع أجنحتها لطلب العلم . وكيف لا يطلب المعاش وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأن أموت من سعي على رجلي أطلب كفاف وجهي أحب إلي من أن أموت غازيا في سبيل الله . وكيف لا يتزوج وصاحب الشرع يقول : "تناكحوا تناسلوا" فما أرى هذه الأوضاع إلا على خلاف الشرع . فأما جماعة من متأخري الصوفية فإنهم تركوا النكاح ليقال زاهد والعوام تعظم الصوفي إذا لم تكن له زوجة فيقولون ما عرف امرأة قط فهذه رهبانية تخالف شرعنا . قال أبو حامد ينبغي أن لا يشغل المريد نفسه بالتزويج فإنه يشغله عن [ ص: 287 ] السلوك ويأنس بالزوجة ومن أنس بغير الله شغل عن الله تعالى .

قال المصنف رحمه الله : وإني لأعجب من كلامه أتراه ما علم أن من قصد عفاف نفسه ووجود ولد أو عفاف زوجته فإنه لم يخرج عن جادق السلوك أو يرى الأنس الطبيعي بالزوجة ينافي أنس القلوب بطاعة الله تعالى والله تعالى قد من على الخلق بقوله ( خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) وفي الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : "هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك" وما كان بالذي ليدله على ما يقطع أنسه بالله تعالى . أترى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان ينبسط إلى نسائه ويسابق عائشة رضي الله عنها أكان خارجا عن الأنس بالله . هذه كلها جهالات بالعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية