الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل: قال الشيخ أبو الفرج رحمه الله: وينبغي أن تعلم أن إبليس شغله التلبيس أول ما التبس عليه الأمر فأعرض عن النص الصريح على السجود، فأخذ يفاضل بين الأصول، فقال: ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) ثم أردف ذلك بالاعتراض على الملك الحكيم، فقال: ( أرأيتك هذا الذي كرمت علي ) والمعنى أخبرني لم كرمته علي؟ غرر ذلك الاعتراض أن الذي فعلته ليس بحكمة، ثم أتبع ذلك بالكبر فقال: ( أنا خير منه ) ثم امتنع عن السجود، فأهان نفسه التي أراد تعظيمها باللعنة، والعقاب.

فمتى سول للإنسان أمرا فينبغي أن يحذر منه أشد الحذر، وليقل له حين أمره إياه بالسوء: إنما تريد بما تأمر به نصحي ببلوغي شهوتي، وكيف يتضح صواب النصح للغير لمن لا ينصح نفسه؟ كيف أثق بنصيحة عدو؟ فانصرف، فما في لقولك منفذ، فلا يبقى إلا أنه يستعين بالنفس، لأنه يحث على هواها، فليستحضر العقل إلى بيت الفكر في عواقب الذنب لعل مدد توفيق يبعث جند عزيمته فيهزم عسكر الهوى والنفس.

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ، نا عاصم بن الحسن ، نا أبو عمر بن مهدي ، ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا زكريا بن يحيى ، ثنا شامة بن سوار ، ثنى المغيرة ، عن مطرف بن الشخير ، عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ". يا أيها الناس إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا إن كل مال نحلته عبدي فهو له حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن لا يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإن الله تعالى نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب".

أخبرنا ابن الحصين ، قال: أخبرنا ابن المذهب ، نا أحمد بن جعفر ، ثنا عبد الله ابن أحمد ، ثنى أبي ، ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا هشام ، ثنا قتادة ، عن مطرف ، عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم، فقال في خطبته: "إن ربي . . . " إلى آخر الحديث المتقدم.

[ ص: 26 ] أخبرنا ابن الحصين ، نا ابن المذهب ، نا أحمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن أحمد ، ثنى أبي ، ثنا أبو معاوية ، ثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئا قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه أو قال: فيلتزمه ويقول: نعم أنت"، وبه قال أحمد ، وحدثنا أبو نعيم ، ثنا سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه يرفعه قال: "إن إبليس قد يئس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم". قال المصنف: انفرد به البخاري ، والذي قبله مسلم ، وفي لفظ حديثه: "قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب".

أنبأنا إسماعيل السمرقندي ، نا عاصم بن الحسن ، نا ابن بشران ، نا ابن صفوان ، نا أبو بكر القرشي ، ثنى الحسين بن السكن ، ثنا المعلى بن أسد ، ثنى عدي بن أبي عمارة ، ثنا زياد النميري ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه يرفعه قال: "إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس، وإن نسي الله التقم قلبه".

أخبرنا محمد بن أبي منصور ، نا عبد القادر ، نا الحسن بن علي التميمي ، نا أبو بكر بن ملك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، ثنا أبي ، ثنا عبد الرحمن ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن الشيطان طاف بأهل مجلس الذكر ليفتنهم فلم يستطع أن يفرق بينهم، فأتى حلقة يذكرون الدنيا، فأغرى بينهم حتى اقتتلوا، فقام أهل الذكر فحجزوا بينهم فتفرقوا. قال عبد الله: وحدثني علي بن مسلم ، ثنا سيار ، ثنا حبان الحريري ، ثنا سويد القناوي ، عن قتادة رضي الله عنه قال: "إن لإبليس شيطانا له قبقب يجمه أربعين سنة، فإذا دخل الغلام في هذا الطريق قال له: دونك إنما كنت [ ص: 27 ] أجمك لمثل هذا أجلب عليه، وافتنه. قال سيار: وحدثنا جعفر ، ثنا ثابت البناني رضي الله عنه قال: بلغنا أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا عليهما السلام فرأى عليه معاليق من كل شيء، فقال يحيى: يا إبليس، ما هذه المعاليق التي أرى عليك؟ قال: هذه الشهوات التي أصيد بها ابن آدم قال: فهل لي فيها من شيء؟ قال: ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة، وثقلناك عن الذكر، قال: فهل غير ذلك؟ قال: لا والله، قال: لله علي أن لا أملأ بطني من طعام أبدا قال إبليس: ولله علي أن لا أنصح مسلما أبدا.

التالي السابق


الخدمات العلمية