الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال المصنف رحمه الله: قلت لا أشك في أن التوكل يظهر أثره في المتوكل عند الشدائد. ولكن ليس من شروطه الاستسلام للسبع فإنه لا يجوز.

أخبرنا عمر بن ظفر ، نا ابن السراج ، نا عبد العزيز بن علي الأزجي ، نا ابن جهضم ، ثنا إبراهيم بن أحمد بن علي العطار. قال له الخواص: حدثني بعض المشايخ أنه قيل لعلي الرازي: ما لنا لا نراك مع أبي طالب الجرجاني. قال خرجنا في سياحة فنمنا في موضع فيه سباع فلما نظر إلي رآني لم أنم طردني. وقال: لا تصحبني بعد هذا اليوم.

قال المصنف رحمه الله: لقد تعدى هذا الرجل إذ أراد من صاحبه أن يغير ما طبع عليه وليس ذلك في قدرته ولا في وسعه. ولا يطالبه بمثله الشرع وما قدر على هذه الحالة موسى عليه السلام حين هرب من الحية فهذا كله مبناه على الجهل.

أخبرنا ابن ظفر ، نا ابن السراج ، نا الأزجي ، ثنا ابن جهضم قال سمعت الخلدي يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول: سمعت حسنا أخا سنان يقول: كنت أسلك طريق مكة فتدخل في رجلي الشوكة فيمنعني ما أعتقده من التوكل أن أخرجها من رجلي فأدلك رجلي على الأرض وأمشي.

أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد أنبأنا أبو علي الحسن بن محمد بن الفضل الكرماني ، نا سهل بن علي الحساب ، نا عبد الله بن علي السراج قال سمعت أحمد بن علي الوجدي يقول: حج الدينوري اثنتي عشرة حجة حافيا مكشوف الرأس وكان إذا دخل في رجله شوك يمسح رجله في الأرض ويمشي ولا يتطاطأ إلى [ ص: 298 ] الأرض من صحة توكله.

قال المصنف رحمه الله: قلت انظروا إلى ما يصنع الجهل بأهله وليس من طاعة الله تعالى أن يقطع الإنسان تلك البادية حافيا لأنه يؤذي نفسه غاية الأذى. ولا مكشوف الرأس وأي قربة تحصل بهذا ولولا وجوب كشف الرأس في مدة الإحرام لم يكن لكشفه معنى. فمن ذا الذي أمره ألا يخرج الشوك من رجله وأي طاعة تقع بهذا ولو أن رجله انتفخت بما يبقى فيها من الشوك وهلك كان قد أعان على نفسه وهل ذلك الرجل بالأرض إلا دفع بعض شر الشوك فهلا دفع الباقي بالإخراج. وأين التوكل من هذه الأفعال المخالفة للعقل والشرع لأنهما يقضيان بجلب المنافع للنفس ودفع المضار عنها. ولذلك أجاز الشرع لمن أدركه ضرر في إحرامه أن يخرق حرمة الإحرام ويلبس ويغطي رأسه ويفدي. ولقد سمعت أبا عبيد يقول: إني لأتبين عقل الرجل بأن يدع الشمس ويمشي في الظل.

أخبرنا أبو منصور القزاز ، نا أبو بكر الخطيب ، ثنا عبد العزيز بن أبي الحسن القرميسيني قال سمعت علي بن عبد الله بن جهضم قال سمعت أبا بكر الرقي يقول حدثني أبو بكر الدقاق قال: خرجت في وسط السنة إلى مكة وأنا حدث السن في وسطي نصف جل وعلى كتفي نصف جل فرمدت عيني في الطريق وكنت أمسح دموعي بالجل فأقرح الجل الموضع فكان يخرج الدم مع الدموع فمن شدة الإرادة وقوة سروري بحالي لم أفرق بين الدموع والدم وذهبت عيني في تلك الحجة وكانت الشمس إذا أثرت في بدني قبلت يدي ووضعتها على عيني سرورا مني بالبلاء. أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، نا أحمد بن أحمد الحداد ، نا أبو نعيم الحافظ قال سمعت أبا الفضل أحمد بن أبي عمران يقول سمعت محمد بن داود الرقي يقول سمعت أبا بكر الدقاق يقول: كان سبب ذهاب بصري أني خرجت في وسط السنة أريد مكة وفي وسطي نصف جل وعلى وسطي نصف جل فرمدت إحدى عيني فمسحت الدموع بالجل فقرح المكان وكانت الدموع والدم تسيلان من عيني. أخبرنا محمد بن أبي القاسم أنا أبو محمد التميمي أنا عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا بكر الرازي يقول قلت لأبي بكر الدقاق. وكان بفرد عين ما سبب ذهاب عينك قال كنت أدخل البادية على التوكل [ ص: 299 ] فجعلت على نفسي أن لا آكل لأهل المنازل شيئا تورعا فسالت إحدى عيني على خدي من الجوع.

قال المصنف رحمه الله: إذا سمع مبتدئ حالة هذا الرجل ظن أن هذه مجاهدات وقد جمعت هذه السفرة التي أفتخر فيها فنونا من المعاصي والمخالفات منها خروجه في تنصيف السنة على الوحدة، ومشيه بلا زاد ولا راحلة، ولباسه الجل، ومسح عينيه به وظنه أن ذلك يقربه إلى الله تعالى وإنما يتقرب إلى الله تعالى بما أمره به وشرعه لا بما نهى وكف عنه، فلو أن إنسانا قال أريد أن أضرب نفسي بعصا لأنها عصت أتقرب بذلك إلى الله كان عاصيا. وسرور هذا الرجل بهذا خطأ قبيح لأنه إنما يفرح بالبلاء إذا كان بغير تسبب منه لنفسه فلو أن إنسانا كسر رجل نفسه ثم فرح بهذه المصيبة كان نهاية في الحماقة ثم تركه السؤال وقت الاضطرار وحمله على النفس في شدة المجاعة حتى سالت عينه ثم يسمي هذا تورعا حماقات زهاد أكبرها الجهل والبعد عن العلم. وقد أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، نا حمد بن أحمد ، نا أبو نعيم الحافظ ، ثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن العباس بن أيوب الأصفهاني ، ثنا عبد الرحمن بن يوسف الرقي ، ثنا مطرف بن مازن ، عن سفيان الثوري. قال: من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار.

التالي السابق


الخدمات العلمية