الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذكر تلبيسه عليهم في الصوم

قال المصنف: وقد لبس على أقوام فحسن لهم الصوم الدائم. وذلك جائز إذا أفطر الإنسان الأيام المحرم صومها إلا أن الآفة فيه من وجهين أحدهما أنه ربما عاد بضعف القوى فأعجز الإنسان عن الكسب لعائلته ومنعه من إعفاف زوجته، وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن لزوجك عليك حقا" فكم من فرض يضيع بهذا النفل، والثاني أنه يفوت الفضيلة فإنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الصلاة صلاة داود عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوما"، وبالإسناد عن عبد الله بن عمرو قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أحدث عنك أنك تقوم الليل وأنت الذي تقول لأقومن الليل ولأصومن النهار، قال أحسبه قال نعم يا رسول الله قد قلت ذلك فقال: فقم ونم وصم وأفطر وصم من كل شهر ثلاثة أيام ولك مثل صيام الدهر. قال قلت يا رسول الله إني أطيق أكثر من ذلك. قال فصم يوما وأفطر يومين. قلت إني أطيق أفضل من ذلك. قال: فصم يوما وأفطر يوما، وهو أعدل الصوم وهو صيام داود عليه السلام. قلت إني أطيق أفضل من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أفضل من ذلك" أخرجاه في الصحيحين. فإن قال قائل: فقد بلغنا عن جماعة من السلف أنهم كانوا يسردون الصوم فالجواب أنهم كانوا يقدرون على الجمع بين ذلك وبين القيام بحقوق العائلة، ولعل أكثرهم لم تكن له عائلة ولا حاجة إلى الكسب، ثم إن فيهم [ ص: 140 ] من فعل هذا في آخر عمره على أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أفضل من ذلك" قطع هذا الحديث، وقد داوم جماعة من القدماء على الصوم مع خشونة المطعم وقلته، ومنهم من ذهبت عينه ومنهم من نشف دماغه، وهذا تفريط في حق النفس الواجب، وحمل عليها ما لا تطيق فلا يجوز.

التالي السابق


الخدمات العلمية