الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الشبهة الخامسة: أن قوما منهم داموا على الرياضة مدة فرأوا أنهم قد تجوهروا فقالوا لا نبالي الآن ما عملنا وإنما الأوامر والنواهي رسوم للعوام ولو تجوهروا لسقطت عنهم قالوا وحاصل النبوة يرجع إلى الحكمة والمصلحة والمراد منها ضبط العوام ولسنا من العوام فندخل في حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة وهؤلاء قد رأوا أن من أثر جوهرهم ارتفاع الحمية عنهم حتى أنهم قالوا إن رتبة الكمال لا تحصل إلا لمن رأى أهله مع أجنبي فلم يقشعر جلده فإن اقشعر جلده فهو ملتفت إلى حظ نفسه ولم يكمل بعد إذ لو كمل لماتت نفسه فسموا الغيرة نفسا وسموا ذهاب الحمية الذي هو وصف المخانيث كمال الإيمان. وقد [ ص: 356 ] ذكر ابن جرير في تاريخه إلى الريوندية كانوا يستحلون الحرمات فيدعو الرجل منهم الجماعة إلى بيته فيطعمهم ويسقيهم ويحملهم على امرأته.

وكشف هذه الشبهة أنه ما دامت الأشباح قائمة فلا سبيل إلى ترك الرسوم الظاهرة من التعبد فإن هذه الرسوم وضعت لمصالح الناس، وقد يغلب صفاء القلب على كدر الطبع إلا أن الكدر يرسب مع الدوام على الخير ويركد فأقل شيء يحركه كالمدرة تقع في الماء الذي تحته حمأة وما مثل هذا الطبع إلا كالماء يجري بسفينة النفس والعقل مداد لو أن المداد مد عشرين فرسخا ثم أهمل عادت السفينة تنحدر ومن ادعى تغير طبعه كذب ومن قال إني لا أنظر إلى المستحسنات بشهوة لم يصدق، كيف وهؤلاء لو فاتتهم لقمة أو شتمهم شاتم تغيروا فأين تأثير العقل والهوى يقودهم، وقد رأينا أقواما منهم يصافحون النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم لا يصافح المرأة وبلغنا عن جماعة منهم أنهم يؤاخون النساء ويخلون بهن ثم يدعون السلامة وقد رأوا أنهم يسلمون من الفاحشة وهيهات فأين السلامة من إثم الخلوة المحرمة والنظر الممنوع منه وأين الخلاص من جولان الفكر الرديء وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو خلا عظمان نخران لهم أحدهما بالآخر، يشير إلى الشيخ والعجوز. وبإسناد عن ابن شاهين قال ومن الصوفية قوم أباحوا الفروج بادعاء الأخوة فيقول أحدهم للمرأة تؤاخيني على ترك الاعتراض فيما بيننا قلت: وقد روى لنا أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي الحكيم في كتاب رياضة النفوس قال روي لنا أن سهل بن علي المروزي كان يقول لامرأة أخيه وهي معه في الدار استتري مني زمانا ثم قال لها كوني كيف شئت قال الترمذي: وكان ذلك منه حين وجد شهوته قلت: أما موت الشهوة هذا لا يتصور مع حياة الآدمي وإنما يضعف والإنسان قد يضعف عن الجماع ولكنه يشتهي اللمس والنظر، ثم يقدر أن جميع ذلك ارتفع عنه أليس نهى الشرع عن النظر والنظر باق وهو عام وقد أخبرنا ابن ناصر بإسناد عن أبي عبد الرحمن السلمي قال قيل لأبي نصر النصراباذي إن بعض الناس يجالس النسوان ويقول أنا معصوم في رؤيتهن فقال ما دامت الأشباح قائمة فإن الأمر والنهي باق والتحليل والتحريم مخاطب به ولن يجترئ على الشبهات إلا من يتعرض للمحرمات وقد قال أبو علي الروذباري وسئل عمن يقول وصلت إلى [ ص: 357 ] درجة لا تؤثر في اختلاف الأحوال فقال قد وصل ولكن إلى سقر. وبإسناد عن الجريري يقول سمعت أبا القاسم الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة فقال الرجل أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله عز وجل فقال الجنيد إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال وهذه عندي عظيمة والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذان وإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله وإليه رجعوا فيها، ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها لأنه أوكد في معرفتي به وأقوى في حالي. وبإسناد عن أبي محمد المرتعش يقول سمعت أبا الحسين النوري يقول من رأيته يدعي مع الله عز وجل حالة تخرجه عن حد علم شرعي فلا تقربنه ومن رأيته يدعي حالة باطنة لا يدل عليها ويشهد لها حفظ ظاهر فاتهمه على دينه.

التالي السابق


الخدمات العلمية