الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 280 ] ذكر تلبيس إبليس على الصوفية

في ترك الجمعة والجماعة بالوحدة والعزلة


قال المصنف : كان خيار السلف يؤثرون الوحدة والعزلة عن الناس اشتغالا بالعلم والتعبد إلا أن عزلة القوم لم تقطعهم عن جمعة ولا جماعة ولا عيادة مريض ولا شهود جنازة ولا قيام بحق . وإنما هي عزلة عن الشر وأهله ومخالطة البطالين وقد لبس إبليس على جماعة من المتصوفة فمنهم من اعتزل في جبل كالرهبان يبيت وحده ويصبح وحده ففاتته الجمعة وصلاة الجماعة ومخالطة أهل العلم . وعمومهم اعتزل في الأربطة ففاتهم السعي إلى المساجد وتوطنوا على فراش الراحة وتركوا الكسب وقد قال أبو حامد الغزالي في كتاب الإحياء مقصود الرياضة تفريغ القلب وليس ذلك إلا بخلوة في مكان مظلم فيلف رأسه في جبته أو يتدثر بكساء أو إزار . ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال حضرة الربوبية .

قال المصنف رحمه الله قلت : انظر إلى هذه الترتيبات والعجب كيف تصدر من فقيه عالم ومن أين له أن الذي يسمعه نداء الحق وأن الذي يشاهده جلال الربوبية وما يؤمنه أن يكون ما يجده من الوساوس والخيالات الفاسدة وهذا الظاهر ممن يستعمل التقلل في المطعم فإنه يغلب عليه الماليخوليا . وقد يسلم الإنسان في مثل هذه الحالة من الوساوس إلا أنه إذا تغشى بثوبه وغمض عينيه تخايل هذه الأشياء لأن في الدماغ ثلاث قوى : قوة يكون بها التخيل وقوة يكون بها الفكرة وقوة يكون بها الذكر وموضع التخيل البطنان المقدمان من بطون الدماغ وموضع التفكر البطن الأوسط من بطون الدماغ وموضع الحفظ الموضع المؤخر فإن أطرق الإنسان وغمض عينيه جال الفكر والتخيل فيرى خيالات فيظنها ما ذكر من حضرة جلال الربوبية إلى غير ذلك نعوذ بالله من هذه الوساوس والخيالات الفاسدة .

أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، نا رزق الله بن عبد الوهاب ، نا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا بكر البجلي يقول سمعت أبا عثمان بن الآدمي قال كان أبو عبيد التستري إذا كان أول يوم من شهر رمضان يدخل البيت ويقول [ ص: 281 ] لامرأته طيني باب البيت وألق إلي كل ليلة من الكوة رغيفا فإذا كان يوم العيد دخلت فوجدت ثلاثين رغيفا في الزاوية ولا أكل ولا شرب ولا يتهيأ لصلاة ويبقى على طهر واحد إلى آخر الشهر .

قال المصنف رحمه الله : هذه الحكاية عندي بعيدة عن الصحة من وجهين أحدها بقاء الآدمي شهرا لا يحدث بنوم ولا بول ولا غائط ولا ريح . والثاني ترك المسلم صلاة الجمعة والجماعة وهي واجبة لا يحل تركها فإن صحت هذه الحكاية فما أبقى إبليس لهذا في التلبيس بقية . قال أنبأنا زاهر بن طاهر ، نا أحمد بن الحسين البيهقي ، ثنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وسمعت أبا الحسن البوشنجي الصوفي غير مرة يعاتب في ترك الجمعة والجماعة والتخلف عنها فيقول إن كانت البركة في الجماعة فإن السلامة في العزلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية