الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل: ومما يعيبون به العلماء تفسح العلماء في بعض المباحات التي يتقوون بها على دراسة العلم، وكذلك يعيبون جامع الأموال ولو فهموا معنى المباح لعلموا أنه لا يذم فاعله، وغاية الأمر أن غيره أولى منه أفيحسن لمن صلى الليل أن يعيب على من أدى الفرض ونام، ولقد روينا بإسناد عن محمد بن جعفر الخولاني قال حدثني أبو عبد الله الخواص وكان من أصحاب حاتم الأصم قال دخلنا مع حاتم البلخي إلى الري ومعه ثلاثمائة وعشرون رجلا من أصحابه يريد الحج وعليهم الصوف والزرمانقات ليس فيهم من معه جراب ولا طعام فنزلنا على رجل من التجار متنسك فضافنا تلك الليلة فلما كان من الغد قال لحاتم: يا أبا عبد الرحمن لك حاجة فإني أريد أن أعود فقيها لنا هو عليل، فقال حاتم: إن كان لكم فقيه عليل فعيادة الفقيه لها فضل كبير والنظر إلى الفقيه عبادة وأنا أجيء معك، وكان العليلمحمد بن مقاتل قاضي الري فقال له مر بنا يا أبا عبد الرحمن فجاؤوا إلى باب داره فإذا البواب فبقي حاتم متفكرا يقول يا رب دار عالم على هذه الحال، ثم أذن لهم فدخلوا فإذا بدار قوراء وآلة حسنة وبزة وفرش وستور فبقي حاتم متفكرا ينظر حتى دخلوا إلى المجلس الذي فيه محمد بن مقاتل وإذا بفراش حسن وطيء وهو عليه راقد وعند رأسه مذبة وناس وقوف فقعد الرازي وبقي حاتم قائما فأومأ إليه محمد بن مقاتل بيده أن اجلس، فقال حاتم لا أجلس فقال له ابن مقاتل فلك حاجة قال نعم قال وما هي؟ قال [ ص: 154 ] مسألة أسألك عنها قال فاسألني قال حاتم قم فاستو جالسا حتى أسألك عنها فأمر غلمانه فأسندوه، فقال حاتم علمك هذا من أين جئت به فقال حدثني الثقات عن الثقات من الأئمة قال عمن أخذوه قال عن التابعين قال والتابعون ممن أخذوه قال عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن أخذوه، قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم من أين جاء به؟ قال عن جبريل عن الله عز وجل فقال حاتم ففيم أداه جبريل عن الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأداه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة وأداه الصحابة إلى تابعيهم وأداه التابعون إلى الأئمة وأداه الأئمة إلى الثقات وأداه الثقات إليكم هل سمعت في هذا العلم من كانت داره في الدنيا أحسن وفراشه ألين وزينته أكثر كان له المنزلة عند الله عز وجل أكبر، قال: لا، قال فكيف سمعت قال سمعت من زهد في الدنيا ورغب في الآخرة وأحب المساكين وقدم لآخرته كان عند الله عز وجل له منزلة أكثر وإليه أقرب. قال حاتم وأنت بمن اقتديت أبالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه والتابعين من بعدهم والصالحين على أثرهم أو فرعون ونمروذ فإنهما أول من بنى بالجص والآجر يا علماء السوء إن الجاهل المتكالب على الدنيا الراغب فيها يقول هذا العالم على هذه الحالة ألا أكون أنا قال فخرج من عنده وازداد محمد بن مقاتل مرضا وبلغ أهل الري ما جرى بين حاتم وبين ابن مقاتل فقالوا لحاتم إن محمد بن عبيد الطنافسي بقزوين أكثر شيئا من هذا فصار إليه فدخل عليه وعنده الخلق يحدثهم فقال له: رحمك الله أنا رجل أعجمي جئتك لتعلمني مبدأ ديني ومفتاح صلاتي كيف أتوضأ للصلاة فقال نعم وكرامة يا غلام إناء فيه ماء فجاءه بإناء فيه ماء، فقعد محمد بن عبيد فتوضأ ثلاثا ثم قال له هكذا فتوضأ قال حاتم مكانك رحمك الله حتى أتوضأ بين يديك ليكون أوكد لما أريد فقام الطنافسي وقعد حاتم مكانه فتوضأ وغسل وجهه ثلاثة حتى إذا بلغ الذراع غسل أربعا فقال الطنافسي أسرفت قال حاتم فبماذا أسرفت؟ قال غسلت ذراعك أربعا قال يا سبحان الله أنا في كف ماء أسرفت وأنت في جميع هذا الذي أراه كله لم تسرف فعلم الطنافسي أنه أراده بذلك فدخل البيت ولم يخرج إلى الناس أربعين يوما، وخرج حاتم إلى الحجاز فلما صار إلى المدينة أحب أن يخصم علماء المدينة فلما دخل المدينة قال يا قوم أي مدينة هذه؟ قالوا مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم قال فأين [ ص: 155 ] قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أذهب إليه فأصلي فيه ركعتين قالوا ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قصر، إنما كان له بيت لاط قال فأين قصور أهله وأصحابه وأزواجه؟ قالوا ما كان لهم قصور، إنما كان لهم بيوت لاطئة فقال حاتم فهذه مدينة فرعون. قال فسبوه وذهبوا به إلى الوالي وقالوا هذا العجمي يقول هذه مدينة فرعون. فقال الوالي: لم قلت ذلك؟ قال حاتم لا تعجل علي أيها الأمير أنا رجل غريب دخلت هذه المدينة فسألت أي مدينة هذه قالوا مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألت عن قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصور أصحابه قالوا إنما كانت لهم بيوت لاطئة، وسمعت الله عز وجل يقول: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) فأنتم بمن تأسيتم برسول الله صلى الله عليه وسلم أو بفرعون؟.

قال المصنف: قلت الويل للعلماء من الزاهد الجاهل الذي يقتنع بعلمه فيرى الفضل فرضا، فإن الذي أنكره مباح والمباح مأذون فيه والشرع لا يأذن في شيء ثم يعاتب عليه فما أقبح الجهل، ولو أنه قال لهم لو قصرتم فيما أنتم فيه لتقتدي الناس بكم كان أقرب حالة، ولو سمع هذا بأن عبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وعبد الله بن مسعود رضوان الله عليهم وفلانا وفلانا من الصحابة خلفوا مالا عظيما أتراه ماذا كان يقول وقد اشترى تميم الداري حلة بألف درهم وكان يقوم فيها بالليل، ففرض على الزاهد التعلم من العلماء فإذا لم يتعلم فليسكت والحديث بإسناد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: إن الشيطان ليلعب بالقراء كما يلعب الصبيان بالجوز، وبإسناد عن حبيب الفارسي يقول: والله إن الشيطان ليلعب بالقراء كما يلعب الصبيان بالجوز.

قال المصنف: قلت المراد بالقراء الزهاد وهذا اسم قديم لهم معروف والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.

التالي السابق


الخدمات العلمية