الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذكر تلبيسه على النصارى

قال المصنف: تلبيسه عليهم كثير، فمن ذلك أن إبليس أوهمهم أن الخالق سبحانه جوهر، فقال اليعقوبية أصحاب يعقوب ، والملكية أهل دين الملك، والنسطورية أصحاب نسطورس: إن الله جوهر واحد أقانيم ثلاثة، فهو واحد في الجوهرية، ثلاثة في الأقنومية، فأحد الأقانيم عندهم الأب، والآخر الابن، والآخر روح القدس، فبعضهم يقول: الأقانيم خواص، وبعضهم يقول: صفات، وبعضهم يقول: أشخاص، وهؤلاء قد نسوا أنه لو كان الإله جوهرا لجاز عليه ما يجوز على الجوهر من التحيز بمكان، والتحرك، والسكون، والأوان، ثم سول لبعضهم أن [ ص: 72 ] المسيح هو الله. قال أبو محمد النوبختي: زعمت الملكية واليعقوبية أن الذي ولدته مريم هو الإله، وسول الشيطان لبعضهم أن المسيح هو ابن الله. وقال بعضهم: المسيح جوهران أحدهما قديم، والآخر محدث، ومع قولهم هذا في المسيح يقرون بحاجته إلى الطعام، ولا يختلفون في هذا، وفي أنه صلب، ولم يقدر على الدفع عن نفسه، ويقولون: إنما فعل هذا بالناسوت فهلا دفع عن الناسوت ما فيه من اللاهوت، ثم لبس عليهم أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى جحدوه بعد ذكره في الإنجيل، ومن الكتابيين من يقول عن نبينا: إنه نبي إلا أنه مبعوث إلى العرب خاصة، وهذا تلبيس من إبليس استغفلهم فيه، لأنه متى ثبت أنه نبي; فالنبي لا يكذب، وقد قال: بعثت إلى الناس كافة، وقد كتب إلى قيصر، وكسرى، وسائر ملوك الأعاجم.

ومن تلبيس إبليس على اليهود والنصارى:

أنهم قالوا: لا يعذبنا الله لأجل أسلافنا، فمنا الأولياء، والأنبياء، فأخبرنا الله عز وجل عنهم بذلك: ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) ; أي منا ابنه عزير، وعيسى، وكشف هذا التلبيس: إن كان شخص مطالب بحق الله عليه، فلا يدفعه عنه ذو قرابته، ولو تعدت المحبة شخصا إلى غيره لموضع القرابة لتعدى البعض، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة: لا أغني عنك من الله شيئا، وإنما فضل المحبوب بالتقوى، فمن عدمها عدم المحبة، ثم إن محبة الله عز وجل للعبد ليست بشغف كمحبة الآدميين بعضهم بعضا; إذ لو كانت كذلك لكان الأمر يحتمل.

التالي السابق


الخدمات العلمية