الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال عبد الله بن أحمد: ، ثنا أبي ، ثنا، وكيع ، ثنا الأعمش ، عن خثيمة ، عن الحارث بن قيس رضي الله عنه قال: إذا أتاك الشيطان، وأنت تصلي، فقال: إنك ترائي فزدها طولا.

أنبأ إسماعيل السمرقندي ، نا عاصم بن الحسن ، نا علي بن محمد ، نا أبو علي بن صفوان ، نا أبو بكر بن عبيد ، نا عبد الرحمن بن يونس ، نا سفيان بن عيينة قال: سمع عمرو بن دينار ، عروة بن عامر ، سمع عبيد بن رفاعة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كان راهب في بني إسرائيل فأخذ الشيطان جارية فخنقها وألقى في قلوب أهلها أن دواءها عند الراهب، فأتي بها الراهب، فأبى أن يقبلها، فما زالوا به حتى قبلها، فكانت عنده، فأتاه الشيطان فسول له إيقاع الفعل بها، فأحبلها، ثم أتاه، فقال له: الآن تفتضح يأتيك أهلها، فاقتلها، فإن أتوك فقل ماتت، فقتلها ودفنها، فأتى الشيطان أهلها فوسوس لهم، وألقى في قلوبهم أنه أحبلها، ثم قتلها ودفنها، فأتاه أهلها يسألونه عنها، فقال: ماتت فأخذوه، فأتاه الشيطان، فقال: أنا الذي ضربتها وخنقتها، وأنا الذي ألقيت في قلوب أهلها، وأنا الذي أوقعتك في هذا، فأطعني تنج اسجد لي سجدتين، فسجد له سجدتين، فهو الذي قال عز وجل: ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ) وقد روي هذا الحديث على صفة أخرى، عن وهب بن منبه رضي الله عنه: أن عابدا كان في بني إسرائيل، وكان من أعبد أهل زمانه، وكان في زمانه ثلاثة إخوة لهم أخت، وكانت بكرا ليس لهم أخت غيرها، فخرج البعث على ثلاثتهم، فلم يدروا عند من يخلفون أختهم، ولا من يأمنون عليها، ولا عند من يضعونها قال: فأجمع رأيهم على أن يخلفوها عند عابد بني إسرائيل، وكان ثقة في أنفسهم، فأتوه فسألوه أن يخلفوها عنده فتكون في كنفه وجواره إلى أن [ ص: 28 ] يرجعوا من غزاتهم، فأبى ذلك، وتعوذ بالله عز وجل منهم ومن أختهم قال: فلم يزالوا به حتى أطاعهم، فقال: أنزلوها في بيت حذاء صومعتي قال: فأنزلوها في ذلك البيت ثم انطلقوا وتركوها، فمكثت في جوار ذلك العابد زمانا ينزل إليها بالطعام من صومعته فيضعه عند باب الصومعة، ثم يغلق بابه ويصعد إلى صومعته، ثم يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ ما وضع لها من الطعام قال: فتلطف له الشيطان، فلم يزل يرغبه في الخير ويعظم عليه خروج الجارية من بيتها نهارا، ويخوفه أن يراها أحد فيعلقها، فلو مشيت بطعامها حتى تضعه على باب بيتها كان أعظم لأجرك، قال: فلم يزل به حتى مشى إليها بطعامها، ووضعه على باب بيتها، ولم يكلمها، قال: فلبث على هذه الحالة زمانا، ثم جاء إبليس فرغبه في الخير والأجر وحضه عليه، وقال: لو كنت تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم لأجرك، قال: فلم يزل به حتى مشى إليها بالطعام، ثم وضعه في بيتها، فلبث على ذلك زمانا، ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وحضه عليه، فقال: لو كنت تكلمها وتحدثها فتأنس بحديثك، فإنها قد استوحشت وحشة شديدة، قال: فلم يزل به حتى حدثها زمانا يطلع إليها من فوق صومعته، قال: ثم أتاه إبليس بعد ذلك، فقال: لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدثها، وتقعد هي على باب بيتها فتحدثك كان آنس لها، فلم يزل به حتى أنزله، وأجلسه على باب صومعته يحدثها وتحدثه، وتخرج الجارية من بيتها حتى تقعد على باب بيتها، قال: فلبثا زمانا يتحدثان، ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والثواب فيما يصنع بها، وقال: لو خرجت من باب صومعتك ثم جلست قريبا من باب بيتها فحدثتها كان آنس لها، فلم يزل به حتى فعل، قال: فلبثا زمانا، ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وفيما له عند الله سبحانه وتعالى من حسن الثواب فيما يصنع بها، وقال له: لو دنوت منها وجلست عند باب بيتها فحدثتها، ولم تخرج من بيتها ففعل، فكان ينزل من صومعته فيقف على باب بيتها فيحدثها، فلبثا على ذلك حينا، ثم جاءه إبليس، فقال: لو دخلت البيت معها فحدثتها، ولم تتركها تبرز وجهها لأحد كان أحسن بك، فلم يزل به حتى دخل البيت، فجعل يحدثها نهارها كله، فإذا مضى النهار صعد إلى صومعته، قال: ثم أتاه إبليس بعد ذلك فلم يزل [ ص: 29 ] يزينها له حتى ضرب العابد على فخذها وقبلها، فلم يزل به إبليس يحسنها في عينيه، ويسول له حتى وقع عليها فأحبلها، فولدت له غلاما، فجاء إبليس، فقال: أرأيت إن جاء إخوة الجارية وقد ولدت منك كيف تصنع؟ لا آمن أن تفتضح أو يفضحوك، فاعمد إلى ابنها فاذبحه وادفنه، فإنها ستكتم ذلك عليك مخافة إخوتها أن يطلعوا على ما صنعت بها، ففعل، فقال له: أتراها تكتم إخوتها ما صنعت بها وقتلت ابنها، قال: خذها واذبحها وادفنها مع ابنها، فلم يزل به حتى ذبحها، وألقاها في الحفرة مع ابنها، وأطبق عليهما صخرة عظيمة، وسوى عليهما، وصعد إلى صومعته يتعبد فيها، فمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث حتى أقبل إخوتها من الغزو، فجاؤوا فسألوه عنها، فنعا لهم، وترحم عليها وبكاها، وقال: كانت خير امرأة، وهذا قبرها، فانظروا إليه، فأتى إخوتها القبر فبكوا أختهم، وترحموا عليها، فأقاموا على قبرها أياما، ثم انصرفوا إلى أهاليهم، فلما جن عليهم الليل وأخذوا مضاجعهم جاءهم الشيطان في النوم على صورة رجل مسافر، فبدأ أكبرهم فسأله عن أختهم، فأخبره بقول العابد وموتها وترحمه عليها، وكيف أراهم موضع قبرها، فكذبه الشيطان، وقال: لم يصدقكم أمر أختكم، إنه قد أحبل أختكم، وولدت منه غلاما فذبحه، وذبحها معه فزعا منكم، وألقاها في حفيرة احتفرها خلف باب البيت الذي كانت فيه عن يمين من دخله، فانطلقوا، فادخلوا البيت الذي كانت فيه عن يمين من دخله، فإنكم ستجدونهما كما أخبرتكم هناك جميعا، وأتى الأوسط في منامه، فقال له مثل ذلك، ثم أتى أصغرهم، فقال له مثل ذلك، فلما استيقظ القوم أصبحوا متعجبين مما رأى كل واحد منهم، فأقبل بعضهم على بعض يقول كل واحد منهم لقد رأيت الليلة عجبا، فأخبر بعضهم بعضا بما رأى، فقال كبيرهم: هذا حلم ليس بشيء فامضوا بنا، ودعوا هذا عنكم، قال أصغرهم: والله لا أمضي حتى آتي إلى هذا المكان فأنظر فيه، قال: فانطلقوا جميعا حتى أتوا البيت الذي كانت فيه أختهم، ففتحوا الباب وبحثوا الموضع الذي وصف لهم في منامهم، فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين في الحفيرة كما قيل لهم، فسألوا عنها العابد، فصدق قول إبليس فيما صنع بهما، فاستعدوا عليه ملكهم، فأنزل من صومعته، وقدم ليصلب، فلما أوثقوه على الخشبة أتاه الشيطان، فقال له: قد علمت أني أنا صاحبك الذي فتنتك بالمرأة حتى أحبلتها، وذبحتها وابنها، فإن أنت أطعتني اليوم وكفرت بالله الذي خلقك [ ص: 30 ] وصورك خلصتك مما أنت فيه، قال: فكفر العابد، فلما كفر بالله تعالى خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه، قال: ففيه نزلت هذه الآية: ( كمثل الشيطان إذ قال: للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك ) إلى قوله ( جزاء الظالمين ) ، وقد تقدم ذكرها.

أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، نا أحمد بن أحمد ، نا أبو نعيم ، نا أبو بكر الآجري ، ثنا عبد الله بن محمد العطيني ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، ثنى محمد بن الحسين ، ثنا بشر بن محمد بن أبان ، ثنى الحسن بن عبد الله بن مسلم القرشي ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: كان راهب في صومعته في زمن المسيح عليه السلام، فأراده إبليس فلم يقدر عليه فأتاه بكل رائدة فلم يقدر عليه فأتاه متشبها بالمسيح فناداه: أيها الراهب أشرف علي أكلمك، قال: انطلق لشأنك فلست أرد ما مضى من عمري، فقال: أشرف علي فأنا المسيح، فقال: إن كنت المسيح فما لي إليك حاجة، ألست قد أمرتنا بالعبادة، ووعدتنا القيامة؟ انطلق لشأنك فلا حاجة لي فيك، فانطلق اللعين عنه وتركه.

التالي السابق


الخدمات العلمية