الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل: قال المصنف: والتهبت جمرة الباطنية المتأخرين في سنة أربع وتسعين وأربعمائة فقتل السلطان جلال الدولة ، بركياروق خلقا منهم لما تحقق مذهبهم فبلغت عدة القتلى ثلاثمائة ونيفا وتتبعت أموالهم فوجد لأحدهم سبعون بيتا من اللآلئ المحفور وكتب بذلك كتاب إلى الخليفة فتقدم بالقبض على قوم يظن فيهم ذلك المذهب ولم يتجاسر أحد أن يشفع في أحد لئلا يظن ميله إلى ذلك المذهب، وزاد تتبع العوام لكل من أرادوا وصار كل من في نفسه شيء من إنسان يرميه بهذا المذهب فيقصيه وينتهب ماله وأول ما عرف من أحوال [ ص: 107 ] الباطنية في أيام الملك شاه جلال الدولة أنهم اجتمعوا فصلوا صلاة العيد في ساوة ففطن بهم الشحنة فأخذهم وحبسهم ثم أطلقهم. ثم اغتالوا مؤذنا من أهل ساوة فاجتهدوا أن يدخل معهم فلم يفعل فخافوه أن ينم عليهم فاغتالوه فقتلوه فبلغ الخبر إلى نظام الملك فتقدم يأخذ من يتهم فيقتله فقتل المتهم وكان نجارا وكانت أول فتكة لهم فتكهم بنظام الملك وكانوا يقولون قتلتم منا نجارا فقتلنا به نظام الملك واستفحل أمرهم بأصبهان فلما مات الملك شاه وآل الأمر إلى أنهم كانوا يسرقون الإنسان ويقتلونه ويلقونه في البئر وكان الإنسان إذا دنا وقت العصر ولم يعد إلى منزله أيسوا منه. وفتش الناس المواضع فوجدوا امرأة في دار لا تبرح فوق حصير فأزالوها فوجدوا تحت الحصير أربعين قتيلا. فقتلوا المرأة وأحرقوا الدار والمحلة. وكان يجلس رجل ضرير على باب الزقاق الذي فيه هذه الدار، فإذا مر إنسان سأله أن يقوده خطوات إلى الزقاق فإذا حصل هناك جذبه من في الدار واستولوا عليه، فجد المسلمون في طلبهم بأصبهان وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وأول قلعة تملكها الباطنية قلعة في ناحية يقال لها الروزباد من نواحي الديلم وكانت هذه القلعة لقماح صاحب ملك شاه وكان يستحفظها متهما بمذهب القوم، فأخذ ألفا ومائتي دينار وسلم إليهم القلعة في سنة ثلاث وثمانين في أيام ملك شاه وكان مقدمها الحسن بن الصباح وأصله من مرو وكان كاتبا للرئيس عبد الرازق بن بهرام إذ كان صبيا ثم إلى مصر وتلقى من دعاتهم المذاهب وعاد داعية القوم ورأسا فيهم وحصلت له هذه القلعة وكانت سيرته في دعاته ألا يدعوا إلا غبيا لا يفرق بين يمينه وشماله مثلا ومن لا يعرف أمور الدنيا ويطعمه الجوز والعسل والشونيز حتى ينبسط دماغه ثم يذكر له حينئذ ما تم على أهل بيت المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعليهم من الظلم والعدوان حتى يستقر ذلك في نفسه ثم يقول إذا كانت الأزارقة والخوارج سمحوا بنفوسهم في قتال بني أمية فما سبب بخلك بنفسك في نصرة إمامك فيتركه بهذه المقالة طعمة للسيف وكان ملك شاه قد أرسل إلى ابن الصباح يدعوه إلى الطاعة ويتهدده إن خالفه ويأمره بالكف عن بث أصحابه لقتل العلماء والأمراء فقال في جواب الرسالة والرسول حاضر الجواب ما تراه ثم قال لجماعة وقوف بين يديه أريد أن أنقذكم إلى مولاكم في حاجة فمن ينهض لها [ ص: 108 ] فاشرأب كل منهم لذلك فظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم فأومأ إلى شاب منهم فقال له اقتل نفسك فجذب سكينة وضرب بها غلصمته، فخر ميتا وقال لآخر ارم نفسك من القلعة فألقى نفسه فتمزق ثم التفت إلى رسول السلطان فقال أخبره أن عندي من هؤلاء عشرين ألفا هذا حد طاعتهم لي وهذا هو الجواب، فعاد الرسول إلى السلطان ملك شاه فأخبره بما رأى فعجب من ذلك وترك كلامهم وصارت بأيديهم قلاع كثيرة ثم قتلوا جماعة من الأمراء والوزراء

قال المصنف: وقد ذكرنا من صفة القوم في التاريخ أحوالا عجيبة فلم نر التطويل بها هنا.

التالي السابق


الخدمات العلمية