الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذكر تلبيسه على أصحاب الهياكل

وهم قوم يقولون: إن لكل روحاني من الروحانيات العلوية هيكلا; أعني جرما من الأجرام السماوية هو هيكله، ونسبته إلى الروحاني المختص به نسبة أبداننا إلى أرواحنا، فيكون هو مدبره، والمتصرف فيه،
فمن جملة الهياكل العلوية السيارات، والثوابت، قالوا: ولا سبيل لها إلى الروحاني بعينه، فيتقرب إلى هيكله بكل عبادة وقربان، وقال آخرون منهم: لكل هيكل سماوي شخص من الأشخاص السفلية على صورته وجوهره، فعمل هؤلاء الصور، ونحتوا الأصنام، وبنوا لها بيوتا.

وقد ذكر يحيى بن بشر النهاوندي أن قوما قالوا: الكواكب السبعة، وهي زحل، والمشترى، والمريخ، والشمس، والزهرة، وعطارد، والقمر; هي المدبرات لهذا العالم، وهي تصدر عن أمر الملإ الأعلى، ونصبوا لها الأصنام على صورتها، وقربوا لكل واحد منها ما يشبهه من الحيوان، فجعلوا لزحل جسما عظيما من الآنك أعمى يقرب إليه بثور حسن يؤتى به إلى بيت تحته محفور وفوقه الدرابزين من حديد على تلك الحفرة فيضرب الثور حتى يدخل البيت، ويمشي على ذلك الدرابزين من الحديد فتغوص رجلاه ويداه هناك ثم توقد تحته النار حتى يحترق، ويقول له المقربون: مقدس أنت أيها الإله الأعمى المطبوع على الشر الذي لا يفعل خيرا قربنا لك ما يشبهك فتقبل منا، واكفنا شرك وشر أرواحك الخبيثة. ويقربون للمشترى صبيا طفلا، وذلك أنهم يشترون جارية ليطأها السدنة للأصنام السبعة فتحمل وتترك حتى تضع، ويأتون بها والصبي على يدها ابن ثمانية أيام، فينخسونه بالمسل والإبر وهو يبكي على يد أمه، فيقولون له: أيها الرب الخير الذي لا يعرف الشر قد قربنا لك من لم يعرف الشر يجانسك في الطبيعة، فتقبل قرباننا وارزقنا خيرك وخير أرواحك الخيرة. ويقربون للمريخ رجلا أشقر أنمش أبيض الرأس من الشقرة يأتون به فيدخلون في حوض [ ص: 51 ] عظيم، ويشدون قيوده إلى أوتاد في قعر الحوض ويملؤون الحوض زيتا حتى يبقى الرجل قائما فيه إلى حلقه، ويخلطون بالزيت الأدوية المقوية للعصب، والمعفنة للحم حتى إذا دار عليه الحول بعد أن يغذى بالأغذية المعفنة للحم والجلد قبضوا على رأسه، فملخوا عصبه من جلده، ولفوه تحت رأسه، وأتوا به إلى صنمهم الذي هو على صورة المريخ فقالوا: أيها الإله الشرير ذو الفتن والجوائح قربنا إليك ما يشبهك، فتقبل قرباننا واكفنا شرك وشر أرواحك الخبيثة الشريرة، ويزعمون أن الرأس تبقى فيه الحياة سبعة أيام، وتكلمهم بعلم ما يصيبهم تلك السنة من خير وشر. ويقربون للشمس تلك المرأة التي قتلوا ولدها للمشترى، ويطوفون بصورة الشمس، ويقولون: مسبحة مهللة أنت أيتها الآلهة النورانية قربنا إليك ما يشبهك فتقبلي قرباننا وارزقينا من خيرك، وأعيذينا من شرك. ويقربون للزهرة عجوزا شمطاء ماجنة يقدمونها بين يديها، وينادون حولها: أيتها الآلهة الماجنة أتيناك بقربان بياضه كبياضك ومجانته كمجانتك وظرفه كظرفك فتقبليها منا. ثم يأتون بالحطب فيجعلونه حول العجوز ويضرمون فيه النار إلى أن تحترق فيحثون رمادها في وجه الصنم.

ويقربون لعطارد شابا أسمر حاسبا كاتبا متأدبا يأتون به بحيلة، وكذلك يفعلون بالكل يخدعونهم، ويبنجونهم، ويسقونهم أدوية تزيل العقل، وتخرس الألسنة، فيقدمون هذا الشاب إلى صنم عطارد ويقولون: أيها الرب الظريف، أتيناك بشخص ظريف وبطبعك اهتدينا فتقبل منا، ثم ينشر الشاب نصفين، ويربع، ويجعل على أربع خشبات حوله، ويضرم كل خشبة النار حتى تحترق ويحترق الربع معها، ويحثون رماده في وجهه.

ويقربون للقمر رجلا آدم كبير الوجه، ويقولون له: يا بريد الآلهة وخفيف الأجرام العلوية.

التالي السابق


الخدمات العلمية