الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[فصل]

قال المصنف : رحمه الله : وذكر العلماء التقلل الذي يضعف البدن .

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، نا أبو الحسين بن عبد الجبار ، نا عبد العزيز بن علي الأزجي ، نا إبراهيم بن جعفر الساجي ، نا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر ، نا أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال ، نا عبد الله بن إبراهيم بن يعقوب الجيلي قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل . قال : له عقبة بن مكرم . هؤلاء الذين يأكلون قليلا ويقللون من مطعمهم . فقال ما يعجبني سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول فعل قوم هذا فقطعهم عن الفرض . قال الخلال : وأخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة ، ثنا إسحاق بن داود بن صبيح . قال قلت لعبد الرحمن بن مهدي يا أبا سعيد إن ببلدنا قوما من هؤلاء الصوفية . فقال : لا تقرب هؤلاء أخرجهم إلى الزندقة . ثم قال : خرج سفيان الثوري في سفر فشيعته وكان معه سفرة فيها فالوذج وكان فيها حمل . قال الخلال : وأخبرني المروزي قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل . وقال له رجل : إني منذ خمس عشرة سنة قد ولع بي إبليس . وربما وجدت وسوسة أتفكر في الله عز وجل فقال : لعلك كنت تدمن الصوم . أفطر وكل دسما وجالس القصاص .

قال المصنف رحمه الله : وفي هؤلاء القوم من يتناول المطاعم الرديئة ويهجر الدسم فيجتمع في معدته أخلاط فجة فتغتذي المعدة منها مدة لأن المعدة لا بد لها من شيء تهضمه . فإذا هضمت ما عندها من الطعام ولم تجد شيئا تناولت الأخلاط فهضمتها وجعلتها غذاء . وذلك الغذاء الرديء يخرج إلى الوساوس والجنون وسوء الأخلاق . وهؤلاء المتقللون يتناولون مع التقلل أردأ المأكولات فتكثر أخلاطهم فتشتغل المعدة بهضم الأخلاط . ويتفق لهم تعود التقلل بالتدريج فتضيق المعدة فيمكنهم الصبر عن الطعام أياما . ويعينهم على هذا قوة الشباب فيعتقدون الصبر عن الطعام كرامة . وإنما السبب ما عرفتك . وقد أنبأنا [ ص: 209 ] عبد المنعم بن عبد الكريم قال حدثني أبي قال كانت امرأة قد طعنت في السن فسئلت عن حالها . فقالت كنت في حال الشباب أجد من نفسي أحوالا أظنها قوة الحال . فلما كبرت زالت عني . فعلمت أن ذلك كان قوة الشباب فتوهمتها أحوالا . قال سمعت أبا علي الدقاق يقول ما سمع أحد هذه الحكاية من الشيوخ إلا رق لهذه العجوز وقال إنها كانت منصفة .

وقال المصنف : فإن قيل كيف تمنعون من التقلل وقد رويتم أن عمر رضي الله عنه كان يأكل كل يوم إحدى عشرة لقمة . وإن ابن الزبير كان يبقى أسبوعا لا يأكل وإن إبراهيم التميمي بقي شهرين . قلنا : قد يجري للإنسان من هذا الفن في بعض الأوقات غير أنه لا يدوم عليه . ولا يقصد الترقي إليه . وقد كان في السلف من يجوع عوزا وفيهم من كان الصبر له عادة لا يضر بدنه . وفي العرب من يبقى أياما لا يزيد على شرب اللبن . ونحن لا نأمر بالشبع إنما ننهى عن جوع يضعف القوة ويؤذي البدن . وإذا ضعف البدن قلت العبادة . فإن حملت البدن قوة الشباب جاء الشيب فأقذع بالراكب . وقد أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، نا عبد القادر بن يوسف ، نا أبو إسحاق البرمكي ، ثنا أبو يعقوب بن سعد النسائي ثنا جدي الحسن بن سفيان ، ثنا حرملة بن يحيى ، ثنا عبد الله بن وهب ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن مالك بن أنس ، عن إسحاق بن عبيد الله بن أبي طلحة ، عن أنس رضي الله عنه . قال : كان يطرح لعمر بن الخطاب رضي الله عنه الصاع من التمر فيأكله حتى حشفه . وقد روينا عن إبراهيم بن أدهم : أنه اشترى زبدا وعسلا وخبزا حواريا . فقيل له : هذا كله تأكله فقال : إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال واذا عدمنا صبرنا صبر الرجال .

التالي السابق


الخدمات العلمية