الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 322 ] وقال في قوله: ( فلله المكر جميعا ) قال الحسين لا مكر أبين فيه من مكر الحق بعباده حيث أوهمهم أن لهم سبيلا إليه بحال أو للحدث اقتران مع القدم.

قال المصنف رحمه الله: ومن تأمل معنى هذا علم أنه كفر محض لأنه يشير إلى أنه كالهزء واللعب. ولكن الحسين هذا هو الحلاج وهذا يليق بذلك. وقال في قوله: ( لعمرك ) أي بعمارتك سرك بمشاهدتنا. قلت: وجميع الكتاب من هذا الجنس ولقد هممت أن أثبت منه ها هنا كثيرا فرأيت أن الزمان يضيع في كتابة شيء بين الكفر والخطأ والهذيان وهو من جنس ما حكينا عن الباطنية، فمن أراد أن يعرف جنس ما في الكتاب فهذا أنموذجه ومن أراد الزيادة فلينظر في ذلك الكتاب وذكر أبو نصر السراج في كتاب اللمع قال: للصوفية استنباط منها قوله: ( أدعو إلى الله على بصيرة ) قال الواسطي: معناه لا أرى نفسي، وقال الشبلي لو اطلعت على الكل مما سوانا لوليت منهم فرارا إلينا. قلت: هذا لا يحل لأن الله تعالى إنما أراد أهل الكهف وهذا السراج يسمي هذه الأقوال في كتابه مستنبطات. وقد ذكر أبو حامد الطوسي في كتاب ذم المال في قوله عز وجل: ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) قال إنما عنى الذهب والفضة إذ رتبة النبوة أجل من أن يخشى عليها أن تعبد الآلهة والأصنام، وإنما عنى بعبادته حبه والاغترار به.

قال المصنف رحمه الله: وهذا شيء لم يقله أحد من المفسرين، وقد قال شعيب: ( وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) ومعلوم أن ميل الأنبياء إلى الشرك أمر ممتنع لأجل العصمة لا أنه مستحيل، ثم قد ذكر مع نفسه من يتصور في حقه الإشراك والكفر فجاز أن يدخل نفسه معهم، فقال: ( واجنبني وبني ) ومعلوم أن العرب أولاده وقد عبد أكثرهم الأصنام.

أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق ، نا المبارك بن عبد الجبار ، نا الحسين بن علي الطناجيري ، نا أبو حفص بن شاهين قال: وقد تكلمت طائفة من الصوفية في نفس القرآن بما لا يجوز فقالت في قوله: ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) فقال هم لآيات لي، فأضافوا إلى الله تعالى ما جعله ( لأولي الألباب ) وهذا تبديل للقرآن وقالوا: ( ولسليمان الريح ) [ ص: 323 ] قالوا ولي سليمان. وأخبرنا ابن ناصر ، نا أحمد بن علي بن خلف ، ثنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: قال أبو حمزة الخراساني: قد يقطع بأقوام في الجنة فيقال: ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) فشغلهم عنه بالأكل والشرب ولا مكر فوق هذا ولا حسرة أعظم منه.

قال المصنف رحمه الله: انظروا وفقكم الله إلى هذه الحماقة وتسمية المغنم به مكرا، وإضافة المكر بهذا إلى الله سبحانه وتعالى، وعلى مقتضى قول هذا أن الأنبياء لا يأكلون ولا يشربون بل يكونون مشغولين بالله عز وجل. فما أجرأ هذا القائل على مثل هذه الألفاظ القباح! وهل يجوز أن يوصف الله عز وجل بالمكر على ما نعقله من معنى المكر، وإنما معنى مكره وخداعه أنه مجاز الماكرين والخادعين. وإني لأتعجب من هؤلاء وقد كانوا يتورعون من اللقمة والكلمة كيف انبسطوا في تفسير القرآن إلى ما هذا حده. وقد أخبرنا علي بن عبيد الله ، وأحمد بن الحسن ، وعبد الرحمن بن محمد قالوا: حدثنا عبد الصمد بن المأمون ، نا علي بن عمر الحربي ، ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، ثنا بشر بن الوليد ، ثنا سهيل أخو حزم ، ثنا أبو عمران الجوني عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ". أخبرنا هبة الله بن محمد ، نا الحسن بن علي ، نا أبو بكر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي وكيع ، عن الثوري ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار".

التالي السابق


الخدمات العلمية