الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل: قال المصنف: فإن قال قائل تجويد اللباس هوى للنفس وقد أمرنا بمعاهدتها وتزين للخلق وقد أمرنا أن تكون أفعالنا لله لا للخلق. فالجواب أنه ليس كل ما تهواه النفس يذم ولا كل التزين للناس يكره، وإنما ينهى عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه أو كان على وجه الرياء في باب الدين فإن الإنسان يجب أن يرى جميلا وذلك حظ النفس ولا يلام فيه ولهذا يسرح شعره وينظر في المرآة ويسوي عمامته ويلبس بطانة الثوب الخشن إلى داخل وظهارته الحسنة إلى خارج وليس في شيء من هذا ما يكره ولا يذم. أخبرنا المبارك بن علي [ ص: 195 ] الصيرفي ، نا علي بن محمد بن العلاف ، نا عبد الملك بن محمد بن بشران ، نا أحمد بن إبراهيم الكندي ، نا محمد بن جعفر الخرائطي ، ثنا بنان بن سليمان ، ثنا عبد الرحمن بن هانئ ، عن العلاء بن كثير ، عن مكحول عن عائشة قالت: كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم وفي الدار ركوة فيها ماء فجعل ينظر في الماء ويسوي شعره ولحيته، فقلت يا رسول الله وأنت تفعل هذا؟ قال: "نعم، إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال". أخبرنا محمد بن ناصر أنبأنا عبد المحسن بن محمد بن علي ، ثنا مسعود بن ناصر بن أبي زيد ، نا أبو إسحاق بن محمد بن أحمد ، نا أبو القاسم عبد الله بن أحمد الفقيه ، نا الحسن بن سفيان ، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله العرزمي عن أبيه عن أم كلثوم عن عائشة قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بركوة لنا فيها ماء فنظر إلى ظله فيها ثم سوى لحيته ورأسه ثم مضى، فلما رجع قلت يا رسول الله تفعل هذا؟ قال: "وأي شيء فعلت؟ نظرت في ظل الماء فهيأت من لحيتي ورأسي إنه لا بأس أن يفعله الرجل المسلم إذا خرج إلى إخوانه أن يهيئ من نفسه.

قال المصنف رحمه الله: فإن قيل: فما وجه ما رويتم عن سري السقطي أنه قال: لو أحسست بإنسان يدخل علي فقلت كذا بلحيتي - وأمر يده على لحيته كأنه يريد أن يسويها من أجل دخول الداخل عليه - لخشيت أن يعذبني الله على ذلك بالنار. فالجواب أن هذا محمول منه على أنه كان يقصد بذلك الرياء في باب الدين من إظهار التخشع وغيره، فأما إذا قصد تحسين صورته لئلا يرى منه ما لا يستحسن فإن ذلك غير مذموم، فمن اعتقده مذموما فما عرف الرياء ولا فهم المذموم. أخبرنا سعد الخير بن محمد الأنصاري ، نا علي بن عبد الله بن محمد النيسابوري ، نا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ، نا محمد بن عيسى بن عمرويه ، ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، ثنا مسلم بن الحجاج ، ثنا محمد بن المثنى ثني يحيى بن حماد قال أخبرنا شعبة ، عن أبان بن تغلب ، عن فضيل الفقيمي ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة ، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. فقال رجل إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط [ ص: 196 ] الناس". انفرد به مسلم ومعناه الكبر كبر من بطر الحق وغمط بمعنى ازدرى واحتقر.

التالي السابق


الخدمات العلمية