الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية إذا مات لهم ميت.

له في ذلك تلبيسان الأول. أنهم يقولون لا يبكى على هالك ومن بكى على هالك خرج عن طريق أهل المعارف قال ابن عقيل: وهذه دعوى تزيد على الشرع فهي حديث خرافة وتخرج عن العادات والطباع فهي انحراف عن المزاج المعتدل فينبغي أن يطالب لها بالعلاج بالأدوية المعدلة للمزاج فإن الله تعالى أخبر عن نبي كريم فقال: ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) وقال: ( يا أسفى على يوسف ) وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موت ولده وقال: "إن العين لتدمع" وقال: "واكرباه" وقالت فاطمة رضي الله عنها واكرب أبتاه فلم ينكر وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه متمما يندب أخاه ويقول:

وكنا كندماني جزيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا

فقال عمر رضي الله عنه ليتني كنت أقول الشعر فأندب أخي زيدا فقال متمم لو مات أخي كما مات أخوك ما رثيته، وكان مالك مات على الكفر وزيد قتل شهيدا فقال عمر: ما عزاني أحد في أخي كمثل تعزيتك، ثم لا تزال الإبل الغليظة الأكباد تحن إلى مآلفها من الأعطان والأشخاص وترعوا للفصلان وحمام [ ص: 309 ] الطير ترجع. وكل مأخوذ من البلاء فلا بد أن يتضرع ومن لم تحركه المسار والمطربات تزعجه المخزيات فهو إلى الجماد به أقرب. وقد أبان النبي عليه الصلاة والسلام عن العيب في الخروج عن سمت الطبع فقال للذي قال: لم أقبل أحدا من ولدي - وكان له عشرة من الولد فقال: "أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك" وجعل يلتفت إلى مكة لما خرج فالمطالب لما يخرج عن الشرائع وينبو عن الطباع جاهل يطالب بجهل. وقد قنع الشرع منا أن لا نلطم خدا ولا نشق جيبا فأما دمعة سائلة وقلب حزين فلا عيب في ذلك. التلبيس الثاني: أنهم يعملون عند موت الميت دعوة ويسمونها عرسا ويغنون فيها ويرقصون ويلعبون ويقولون نفرح للميت إذ وصل إلى ربه، والتلبيس في هذا عليهم من ثلاثة أوجه أحدها أن المسنون أن يتخذ لأهل الميت طعام لاشتغالهم بالمصيبة عن إعداد الطعام لأنفسهم وليس من السنة أن يتخذه أهل الميت ويطعموه إلى غيرهم والأصل في اتخاذ الطعام لأجل الميت. أخبرنا به أبو الفتح الكروخي ، نا أبو عامر الأزدي ، وأبو بكر العروجي قال أخبرنا الجراحي ، ثنا المحبوبي ، ثنا الترمذي ، ثنا أحمد بن منيع ، وعلي بن حجر قالا حدثنا سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم ما يشغلهم" قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. والثاني أنهم يفرحون للميت ويقولون وصل إلى ربه ولا وجه للفرح لأنا لا نتيقن أنه غفر له وما يؤمنا أن نفرح له وهو في المعذبين.

وقد قال عمر بن زر لما مات ابنه لقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك. أخبرنا عبد الأول نا ابن المظفر نا ابن عين ثنا الفربري ثنا البخاري ، ثنا أبو اليمان ، نا شعيب ، عن الزهري ثني خارجة بن زيد الأنصاري عن أم العلاء قالت: لما مات عثمان بن مظعون دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت رحمة الله عليك أبا السايب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "وما يدريك أن الله أكرمه". والثالث أنهم يرقصون ويلعبون في تلك الدعوة فيخرجون بهذا عن الطباع السليمة التي يؤثر عندها الفراق. ثم إن كان ميتهم قد غفر له فما الرقص واللعب بشكرهم وإن كان معذبا فأين أثر الحزن.

التالي السابق


الخدمات العلمية