الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذكر تلبيسه على الفلاسفة وتابعيهم

إنما تمكن إبليس من التلبيس على الفلاسفة من جهة أنهم انفردوا بآرائهم وعقولهم، وتكلموا بمقتضى ظنونهم من غير التفات إلى الأنبياء،
فمنهم من قال بقول الدهرية أن لا صانع للعالم، حكاه النوبختي وغيره عنهم. وحكى النهاوندي أن أرسطاطاليس وأصحابه زعموا أن الأرض كوكب في جوف هذا الفلك، وأن في كل كوكب عوالم كما في هذا الأرض، وأنهارا، وأشجارا، وأنكروا الصانع، وأكثرهم أثبت علة قديمة للعالم ثم قال بقدم العالم، وأنه لم يزل موجودا مع الله تعالى، ومعلولا له، ومساويا غير متأخر عنه بالزمان مساواة المعلول للعلة، والنور للشمس بالذات والرتبة، لا بالزمان، فيقال لهم: لم أنكرتم أن يكون العالم حادثا بإرادة قديمة اقتضت وجوده في الوقت الذي وجد فيه؟ فإن قالوا: فهذا يوجب أن يكون بين وجود الباري وبين المخلوقات زمان، قلنا: الزمان مخلوق، وليس قبل الزمان زمان، ثم يقال لهم: كان الحق سبحانه قادرا على أن يجعل سمك الفلك الأعلى أكثر مما هو بذراع، أو أقل مما هو بذراع، فإن قالوا: لا يمكن، فهو تعجيز، ولأن ما لا يمكن أن يكون أكبر منه، ولا أصغر فوجوده على ما هو عليه واجب لا ممكن، والواجب يستغني عن علة، وقد ستروا مذهبهم بأن قالوا: الله عز وجل صانع العالم، وهذا تجوز عندهم لا حقيقة، لأن الفاعل مريد لما يفعله. وعندهم أن العالم ظهر ضروريا لا أن الله فعله، ومن مذاهبهم أن العالم باق أبدا، كما لا بداية لوجوده، فلا نهاية. قالوا: لأنه معلول علة قديمة، وكان المعلول مع العلة، ومتى كان العالم ممكن الوجود لم يكن قديما، ولا معلولا، وقد قالجالينوس: [ ص: 46 ] لو كانت الشمس مثلا تقبل الانعدام لظهر فيها ذبول في هذه المدة الطويلة، فيقال له: قد يفسد الشيء بنفسه بغتة لا بالذبول، ثم من أين له أنها لا تذبل؟ فإنها عندهم بمقدار الأرض مائة وسبعين مرة، أو نحو ذلك، فلو نقص منها مقدار جبل لم يبن ذلك للحس، ثم نحن نعلم أن الذهب والياقوت يقبلان الفساد، وقد يبقيان سنين، ولا يحس نقصانهما، وإنما الإيجاد والإعدام بإرادة القادر، والقادر لا يتغير في نفسه، ولا تحدث له صفة، وإنما يتغير الفعل بإرادة قديمة.

التالي السابق


الخدمات العلمية