الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (112) قوله تعالى : التائبون : فيه خمسة أوجه ، أحدها : أنهم مبتدأ ، وخبره " العابدون " ، وما بعده أوصاف أو أخبار متعددة عند من يرى ذلك . الثاني : أن الخبر قوله : " الآمرون " . الثالث : أن الخبر محذوف ، أي : التائبون الموصوفون بهذه الأوصاف من أهل الجنة ، ويؤيده قوله : " وبشر المؤمنين " ، وهذا عند من يرى أن هذه الآية منقطعة مما قبلها ، وليست شرطا في المجاهدة ، وأما من زعم أنها شرط في المجاهدة كالضحاك وغيره فيكون إعراب التائبين خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم التائبون ، وهذا من باب قطع النعوت ، وذلك أن هذه الأوصاف عند هؤلاء القائلين من صفات المؤمنين في قوله تعالى : [ " اشترى] من المؤمنين " ويؤيد ذلك قراءة أبي وابن مسعود والأعمش " التائبين " بالياء . ويجوز أن تكون هذه القراءة على القطع أيضا ، فيكون منصوبا بفعل مقدر . وقد صرح الزمخشري وابن عطية بأن التائبين في هذه القراءة نعت . الخامس : أن " التائبون " بدل من الضمير المتصل في " يقاتلون " .

                                                                                                                                                                                                                                      ولم يذكر لهذه الأوصاف متعلقا ، فلم يقل : التائبون من كذا ، ولا العابدون [ ص: 130 ] لله لفهم ذلك إلا صيغتي الأمر والنهي مبالغة في ذلك ، ولم يأت بعاطف بين هذه الأوصاف لمناسبتها لبعضها إلا في صيغتي الأمر والنهي لتباين ما بينهما ، فإن الأمر طلب فعل والنهي طلب ترك أو كف ، وكذا " الحافظون " عطفه وذكر متعلقه . وأتى بترتيب هذه الصفات في الذكر على أحسن نظم وهو ظاهر بالتأمل ، فإنه قدم التوبة أولا ثم ثنى بالعبادة إلى آخره . وقيل : إنما دخلت الواو لأنها واو الثمانية ، كقوله : وثامنهم كلبهم . وقوله : وفتحت أبوابها لما كان للجنة ثمانية أبواب أتى معها بالواو . وقال أبو البقاء : " إنما دخلت الواو في الصفة الثامنة إيذانا بأن السبعة عندهم عدد تام ، ولذلك قالوا : " سبع في ثمانية " ، أي : سبع أذرع في ثمانية أشبار ، وإنما دلت الواو على ذلك لأن الواو تؤذن بأن ما بعدها غير ما قبلها ، ولذلك دخلت في باب عطف النسق " ، قلت : وهذا قول ضعيف جدا لا تحقيق له .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية