الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (38) قوله تعالى : اثاقلتم : أصله تثاقلتم ، فلما أريد الإدغام سكنت الياء فاجتلبت همزة الوصل كما تقدم ذلك في فادارأتم ، والأصل : تدارأتم . وقرأ الأعمش " تثاقلتم " بهذا الأصل ، و " ما " في قوله " ما لكم " استفهامية وفيها معنى الإنكار . وقيل : فاعله المحذوف هو الرسول .

                                                                                                                                                                                                                                      و " اثاقلتم " ماضي اللفظ مضارع المعنى أي : يتثاقلون ، وهو في موضع الحال ، وهو عامل في الظرف أي : ما لكم متثاقلين وقت القول . وقال أبو البقاء : " اثاقلتم : ماض بمعنى المضارع أي : ما لكم تتثاقلون وهو في موضع نصب أي : أي شيء لكم في التثاقل ، أو في موضع جر على رأي الخليل . وقيل : هو في موضع حال " قال الشيخ : " وهذا ليس بجيد ، لأنه يلزم منه حذف " أن " ، لأنه لا ينسبك مصدر إلا من حرف مصدري والفعل ، وحذف " أن " في نحو هذا قليل جدا ، أو ضرورة ، وإذا كان التقدير : " في التثاقل " فلا يمكن عمله في " إذا " ، لأن معمول المصدر الموصول لا يتقدم [ ص: 50 ] عليه ، فيكون الناصب لـ " إذا " والمتعلق به " في التثاقل " ما تعلق به " لكم " الواقع خبرا لـ " ما " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ " أثاقلتم " بالاستفهام الذي معناه الإنكار ، وحينئذ لا يجوز أن يعمل في " إذا " ؛ لأن ما بعد حرف الاستفهام لا يعمل فيما قبله ، فيكون العامل في هذا الظرف : إما الاستقرار المقدر في " لكم " ، أو مضمر مدلول عليه باللفظ . والتقدير : ما تصنعون إذا قيل لكم . وإليه نحا الزمخشري . والظاهر أن يقدر : ما لكم تثاقلون إذا قيل ، ليكون مدلولا عليه من حيث اللفظ والمعنى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إلى الأرض ضمن معنى الميل والإخلاد . وقوله : " من الآخرة " تظاهرت أقوال المعربين والمفسرين على أن " من " بمعنى بدل كقوله : لجعلنا منكم ملائكة أي : بدلكم ، ومثله قول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      2485 - جارية لم تأكل المرققا ولم تذق من البقول الفستقا



                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      2486 - فليت لنا من ماء زمزم شربة     مبردة باتت على طهيان



                                                                                                                                                                                                                                      إلا أن أكثر النحويين لم يثبتوا لها هذا المعنى ، ويتأولون ما أوهم ذلك والتقدير هنا : اعتصمتم من الآخرة راضين بالحياة وكذلك باقيها . وقال [ ص: 51 ] أبو البقاء : " من الآخرة في موضع الحال أي : بدلا من الآخرة " ، فقدر المتعلق خاصا ، ويجوز أن يكون أراد تفسير المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : في الآخرة متعلق بمحذوف من حيث المعنى تقديره : فما متاع الحياة الدنيا محسوبا في الآخرة . ف " محسوبا " حال من " متاع " . وقال الحوفي : " إنه متعلق بـ قليل وهو خبر المبتدأ " . قال : " وجاز أن يتقدم الظرف على عامله المقرون بـ " إلا " لأن الظروف تعمل فيها روائح الأفعال . ولو قلت : " ما زيد عمرا إلا يضرب " لم يجز " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية