الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (15) قوله تعالى : ويذهب : الجمهور على ضم الياء وكسر الهاء من أذهب . و " غيظ " مفعول به . وقرأت طائفة : " ويذهب " بفتح الياء والهاء ، جعله مضارعا لذهب ، " غيظ " فاعل به . وقرأ زيد بن علي كذلك ، إلا أنه رفع الفعل مستأنفا ولم ينسقه على المجزوم قبله ، كما قرءوا : " ويتوب " بالرفع عند الجمهور . وقرأ زيد بن علي والأعرج وابن أبي إسحاق وعمرو بن عبيد ، وعمرو بن فائد ، وعيسى الثقفي ، وأبو عمرو في رواية ويعقوب : " ويتوب " بالنصب .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما قراءة الجمهور فإنها استئناف إخبار ، وكذلك وقع فإنه قد أسلم ناس كثيرون . قال الزجاج وأبو الفتح : " وهذا أمر موجود سواء قوتلوا أم يقاتلوا ، ولا وجه لإدخال التوبة في جواب الشرط الذي في " قاتلوهم " . يعنيان بالشرط ما فهم من الجملة الأمرية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة زيد ومن ذكر معه ، فإن التوبة تكون داخلة في جواب الأمر من طريق المعنى . وفي توجيه ذلك غموض : فقال بعضهم : إنه لما أمرهم بالمقاتلة شق ذلك على بعضهم ، فإذا أقدموا على المقاتلة ، صار ذلك العمل [ ص: 28 ] جاريا مجرى التوبة من تلك الكراهة . قلت : فيصير المعنى : إن تقاتلوهم يعذبهم ويتب عليكم من تلك الكراهة لقتالهم . وقال آخرون في توجيه ذلك : إن حصول الظفر وكثرة الأموال لذة تطلب بطريق حرام ، فلما حصلت لهم بطريق حلال ، كان ذلك داعيا لهم إلى التوبة مما تقدم ، فصارت التوبة معلقة على المقاتلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عطية في توجيه ذلك أيضا : " يتوجه ذلك عندي إذا ذهب إلى أن التوبة يراد بها هنا [أن] قتل الكافرين والجهاد في سبيل الله هو توبة لكم أيها المؤمنون وكمال لإيمانكم ، فتدخل التوبة على هذا في شرط القتال " قال الشيخ : " وهذا الذي قدره من كون التوبة تدخل تحت جواب الأمر ، وهو بالنسبة للمؤمنين الذين أمروا بقتال الكفار . والذي يظهر أن ذلك بالنسبة إلى الكفار ، والمعنى : على من يشاء من الكفار ، لأن قتال الكفار وغلبة المسلمين إياهم ، قد يكون سببا لإسلام كثير . ألا ترى إلى فتح مكة كيف أسلم لأجله ناس كثيرون ، وحسن إسلام بعضهم جدا ، كابن أبي سرح وغيره " . قلت : فيكون هذا توجيها رابعا ، ويصير المعنى : إن تقاتلوهم يتب الله على من يشاء من الكفار أي : يسلم من شاء منهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية