الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (14) قوله تعالى : أنما أنزل : " ما " يجوز أن تكون كافة مهيئة . وفي " أنزل " ضمير يعود على ما يوحى إليك ، و " بعلم " حال أي : ملتبسا بعلمه ، ويجوز أن تكون موصولة اسمية أو حرفية اسما لـ " إن " فالخبر الجار تقديره : فاعلموا أن تنزيله ، أو أن الذي أنزل ملتبس بعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ زيد بن علي " نزل " بفتح النون والزاي المشددة ، وفاعل " نزل " ضمير الله تعالى ، و وأن لا إله إلا هو نسق على " أن " قبلها ، ولكن هذه مخففة فاسمها محذوف ، وجملة النفي خبرها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : نوف الجمهور على " نوف " بنون العظمة وتشديد الفاء من وفى [ ص: 296 ] يوفي ، وطلحة وميمون بياء الغيبة ، وزيد بن علي كذلك إلا أنه خفف الفاء من أوفى يوفي ، والفاعل في هاتين القراءتين ضمير الله تعالى . وقرئ " توف " بضم التاء وفتح الفاء مشددة من وفى يوفي مبنيا للمفعول . " أعمالهم " بالرفع قائما مقام الفاعل . وانجزم " نوف " على هذه القراءات لكونه جوابا للشرط ، كما في قوله تعالى : من كان يريد حرث الآخرة نزد له [في حرثه] ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته .

                                                                                                                                                                                                                                      وزعم الفراء أن " كان " زائدة قال : " ولذلك جزم جوابه " ولعل هذا لا يصح إذ لو كانت زائدة لكان " يريد " هو الشرط ، ولو كان شرطا لانجزم ، فكان يقال : من كان يرد " .

                                                                                                                                                                                                                                      وزعم بعضهم أنه لا يؤتى بفعل الشرط ماضيا والجزاء مضارعا إلا مع " كان " خاصة ، ولهذا لم يجئ في القرآن إلا كذلك ، وهذا ليس بصحيح لوروده في غير " كان " قال زهير :


                                                                                                                                                                                                                                      2639 - ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم

                                                                                                                                                                                                                                      وأما القرآن فجاء من باب الاتفاق أنه كذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن البصري " نوفي " بتخفيف الفاء وثبوت الياء من أوفى ، ثم هذه القراءة محتملة : لأن يكون الفعل مجزوما ، وقدر جزمه بحذف الحركة [ ص: 297 ] المقدرة كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2640 - ألم يأتيك والأنباء تنمي     بما لاقت لبون بني زياد

                                                                                                                                                                                                                                      على أن ذلك قد يأتي في السعة نحو : إنه من يتق ، وسيأتي محررا في سورته ، ولأن يكون الفعل مرفوعا لوقوع الشرط ماضيا كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      2641 - وإن شل ريعان الجميع مخافة     نقول جهارا ويلكم لا تنفروا

                                                                                                                                                                                                                                      وكقول زهير :


                                                                                                                                                                                                                                      2642 - وإن أتاه خليل يوم مسألة     يقول لا غائب مالي ولا حرم

                                                                                                                                                                                                                                      وهل الرفع لأنه على نية التقديم وهو مذهب سيبويه أو على نية الفاء ، كما هو مذهب المبرد ؟ خلاف مشهور .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية